89 يوما على اعتقالها بسبب نشاطها الإنساني والإغاثي: نصيرة الفقراء والمستضعفين آية خطيب و”مقعدها الفارغ” في شهر رمضان
لبّت الأسيرة آية خطيب (31 عاما) من قرية عرعرة، نداء الواجب الديني والوطني والإنساني، وتابعت الحالات الإنسانية للمرضى من أطفال شعبنا من الضفة وغزة والداخل، جمعت التبرعات من أهل الخير في الداخل الفلسطيني، وساهمت في الحد من معاناة العديد من الحالات الإنسانية، فزجّت بها المؤسسة الإسرائيلية في سجونها بزعم “تجنيد الأموال لدعم الإرهاب”!!
منذ 3 أشهر يغيّب السجّان الإسرائيلي، نصيرة المستضعفين آية خطيب، من طفليها محمد (صف ثالث) وعبد الرحمن (صف بستان) وزوجها علي عقل، ورفضت المحكمة مؤخرا التداول في ملف اعتقالها بعد تحويلها إلى الحبس المنزلي وقررت الإبقاء على اعتقالها الفعلي حتى نهاية الإجراءات في ملفها وصدور الحكم النهائي.
بعد فترة توقيف طويلة في أروقة المخابرات الإسرائيلية جرى نقل الأسيرة آية خطيب إلى سجن “الدامون” مع نحو 43 أسيرة فلسطينية من نساء وفتيات شعبنا من الضفة والقطاع والقدس، غيبن في السجون الإسرائيلية وحرمن من الاجتماع إلى عوائلهن ومنهن من غابت عن مقعدها داخل منزل أسرتها منذ سنوات وحرمت شهر رمضان بين أهلها وذويها.
البيت بدون آية
انقلبت الأجواء في منزل عائلة الأسيرة آية خطيب رأسا على عقب، لكن زوجها السيد علي عقل وبمساندة الأهل والأصدقاء، تمكن من إعادة الاستقرار إلى طفليه محمد وعبد الرحمن وعمل جاهدا مدعوما بطواقم نفسية واجتماعية في مدرسة الطفلين على تجاوز المرحلة الأولى بعد اعتقال آية.
يقول في حديث لـ “المدينة”: “بعد اعتقال آية واعتقالي لمدة 12 ساعة يوم اعتقالها بتاريخ 17/2/2020، كان الأمر صعبا جدا على طفلينا محمد وعبد الرحمن، خاصة أنه تم إخلاء سبيلي وبقيت آية قيد الاعتقال، لم يستوعب الطفلان هذا الأمر في الأيام الأولى، لا سيّما أن القوات التي اقتحمت بيتنا، يوم الاعتقال، أحدثت أثرا سلبيا للغاية عليهما، لكن الحمد لله استطاعا تجاوز تلك المرحلة بعد ان عرفا سبب اعتقال أمهما وأنها مصدر فخر لهما بسبب الرسالة التي حملتها في دعم الفقراء والمحتاجين والحالات الإنسانية التي واكبتها.
وأضاف: “البيت بدون آية فيه فراغ كبير جدا، أحاول جاهدا أن أملأ الفراغ الذي تركته بالنسبة للطفلين إلى جانب القيام بعملي في مجال تركيب وتصليح وصيانة المكيفات، مع الإشارة إلى المساندة الكاملة لي من قبل العائلة والأهل”.
يحاول على الإبقاء على أجواء المنزل بالنسبة لطفليه لذلك يقوم في معظم الأحيان بإعداد الطعام والطهي بنفسه إلى جانب مساعدة شقيقاته وذويه في هذه المهمة.
“أحيانا يبدي محمد وعبد الرحمن اعجابهما بما أعدّه من الطعام ويقولون بحزن وألم: لكن أمي اشطر منك بالطبيخ” يقول علي عقل.
ويلفت عقل إلى حرص العديد من صديقات زوجته وغيرهن من الأخوات في توفير الدعم والرعاية لطفليه، يقول بهذا الصدد: “الحمد لله دائما هناك مساعدة ومساندة كما أشرت من الأهل وصديقات زوجتي وغيرهن حتى أن إحدى الأخوات لم تكن تعرف آية على الإطلاق وهي من باقة الغربية اتصلت بي وقالت إنها تريد ان تحضر إلى منزلنا من أجل مساعدة الأولاد في واجباتهم المدرسية، وقد رحبت بها وجاءت إلى المنزل رفقة شقيقتي وقامت بتنفيذ عدة فعاليات مع الطفلين”.
رسالة من السجن
بلغ ظلم السجّان الإسرائيلي كل مبلغ حين حرم حتى هذه اللحظات زوج آية وطفليها من زيارتها في سجن “الدامون”، ولم يحتضن محمد وعبد الرحمن أمهما منذ اعتقالها إلا للحظات خلال محاكمتها في محكمة الصلح في عكا ولم يتسن لهما رؤيتها بصورة مباشرة إلا من خلال تطبيق الفيديو المتاح حاليا خلال جلسات المحكمة.
“غير اتصال واحد تلقيناه أنا والأطفال من آية من السجن، ورسالة تلقيناها من إحدى الأسيرات المحررات، لم يسمح لنا حتى الآن بالزيارة، ولك أن تعرف مدى صعوبة هذا الأمر على الأولاد” يقول السيد علي عقل.
في رسالتها إلى عائلتها تعيد الأسيرة آية خطيب تأكيد عنفوانها ورسالتها التي حوّلتها إلى أيقونة ورمز في العمل الإنساني.
جاء في الرسالة التي ننشر مقتطفات منها: “أريد أن اذكركم وأذكر نفسي في كل حين بأن قضاء الله كله خير مهما بدا في ظاهره سوء، أذكركم بتكثيف الدعاء بأن يرزقنا الله حسن التوكل عليه ثم حسن الرضا بقضائه، إياكم والسخط إياكم والندم على أي خير تم عمله وكان ثمنه هذا السجن، فهذا قضاء الله وقضاء الله كله خير”.
كما جاء في رسالتها: “حدثوا أطفالي عن تلك المشاريع التي زج بي في السجون لأجلها، أشعروهم بالرضا اشعروهم بالفخر لمساعده المرضى… هو الله ربي وربكم ورب أطفالي…هو من يحرسنا كلنا على عينه…. هو ارحم بنا جميعا من أنفسنا ولن يضيعنا… أذكركم مره أخرى كل ما قمت به من مساعدة المرضى هو لله في سبيل مرضاته، لا اطلب من المرضى اي مقابل أو اي موقف، هذا خير تم عمله ونسيانه إياكم والغضب عليهم وإياكم والسخط على قضاء الله وإياكم والندم على اي خير …أكثروا من قول لا حول ولا قوه الا بالله …أكثروا من الاستغفار وكثفوا من الدعاء بالفرج”.
يؤكد عقل لـ “المدينة” أن “معنويات آية عالية جدا وهذا لمسناه من رسالتها والحديث القليل الذي تيسر معها، غير أنها وخلال تواجدها مع أخواتها من الأسيرات الفلسطينيات تروي لنا بعض معاناتهن في السجون ومهم ما لا يمكن مقارنته بمعاناتها”.
مقعدها الفارغ
يؤكد السيد علي عقل أن حلول شهر رمضان وافتقاد زوجته في مطبخها وغيابها عن مقعدها على مأدبة الإفطار، كان من أشد اللحظات ألما، يقول: “لا يمكن في الحقيقة وصف الشعور الذي يجتاحنا في هذه الأيام الفضيلة وآية ليست في مكانها المعتاد، ومع ذلك اجتهدت أنا والأولاد أن نبقى بالبيت ونتناول إفطارنا على طاولة آية، بالطبع نلبي العزايم من الأهل والأصدقاء وتقوم شقيقاتي بطبيعة الحال بمواكبتنا والمساعدة في اعمال المنزل، يمكن القول إنه والحمد لله فيما يخص محمد وعبد الرحمن فهما الآن في حالة استيعابية كبيرة لما جرى يشعران بكل الفخر والاعتزاز بوالدتهما دائما وبما قامت به، ويعلمان أن الظالمين اعتقلوا آية لأنها تساعد الفقراء والمرضى”.
العيد بدون آية
لا يعرف زوج الأسيرة آية خطيب، كيف سيتعاطى مع الفرحة بعيد الفطر المبارك وطفليه في ظل غياب زوجته، ويقول: “أولاد بلا أم أي عيد أتى، لكن سنفرح لكيلا يفرح من كان سببا بحزننا، فالفرح عبادة سنقضي العيد معها بقلوبنا وذكرنا كما قضينا رمضان معها في روحنا في فطورنا وسحورنا، قد تسكن الاجساد والأرواح متباعدة وقد تفترق الأجساد والأرواح متقاربة، رغم الالم والأفكار المتناقضة تعلو الروح الصاعدة لأمر فوق العادة، لننتصر على أنفسنا قبل أن ننتصر على السجان”.
في نهاية اللقاء مع “المدينة”، توجّه علي عقل بالشكر والثناء إلى كافة الأهل والأصدقاء والأخوات الذي كانوا ولا زالوا يساندون عائلته ويواكبون قضية زوجته من خلال التواجد في جلسات المحكمة إلى جانب الدعم والتضامن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، راجيا من الله تعالى أن يمن بالفرج القريب على زوجته وسائر الأسرى من أبناء شعبنا الفلسطيني.
كما خصّ بالشكر أحد الأصدقاء وزوجته وقال “لقد قاموا بمساعدتي في تدريس إبني البكر وحتى احضارهم من المدرسة وإعادتهم البيت وساعدوني في كافة الأمور فجزاهم الله كل خير، مع الإشارة إلى أن ابني محمد البكر يعاني من تأخر لغوي وصعوبة بالتركيز وكانت أمه بسبب تخصصها هي من تتابعه فكان لهذا الصديق وزوجته الدور الكبير في مساعدة محمد إلى جانبي في هذه المسألة”.