دوليّات

قصر هشام في أريحا.. البيت الشتوي للخليفة الأموي

في منتصف منطقة صحراوية، وفي أخفض نقطة على وجه الأرض، وقرب البحر الميت، يقع قصر هشام في فلسطين على بعد خمسة كيلومترات إلى الشمال من مدينة أريحا ثالث أقدم مدن العالم، ويعتبر من أهم المعالم السياحية في فلسطين.

كان القصر الذي شيده الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد مقرا للدولة الأموية التي حكمت إمبراطورية تمتد من الهند إلى فرنسا، وقد فضل هشام بن عبد الملك حرية الصحراء على حياة المدينة في العاصمة دمشق.

وكان يعرف بأحد قصور “بادية الشام”، وكان قصرا شتويا للخليفة بفعل اعتدال حرارة منطقة أريحا والأغوار الفلسطينية في الشتاء، وكان القصر مبنيا من طابقين: الأول فيه غرف خدمات وحراسة، والطابق الآخر كان يعيش فيه الخليفة.

القصر اكتشف عام 1873، وكان العالم فريديريك ج. بليس، قد كتب عن الموقع عام 1894 لكنه لم يقم بأي حفريات تتعلق بالموقع، وعرفت غالبية المعلومات عن الموقع من خلال الحفريات التي أشرف عليها عالم الآثار الفلسطيني ديمتري برامكي بين عامي 1934 و1948، ونشرت نتائج أبحاث برامكي في تقارير أولية ومقالات في فصلية دائرة الآثار الفلسطينية ولاحقا في أطروحة دكتوراه برامكي.

وفي عام 1959 قام، روبرت هميلتون، زميل برامكي بنشر كتاب عن الموقع بعنوان “خربة المفجر: قصر عربي في غور الأردن”. ويحلل الكتاب محتويات القصر من وجهة نظر تاريخ الفن، دون أن يشير إلى بحث برامكي الأثري.

لكن العديد مما وجد خلال حفريات برامكي وهميلتون، محفوظ اليوم في متحف روكفلر في القدس.
وفي عام 2006، نفذت حفريات جديدة تحت إشراف حمدان طه من وزارة السياحة والآثار التابعة للسلطة الفلسطينية.

الأعمدة في قصر هشام

ويتكون القصر من مجموعة من البنايات والحمامات والجوامع وقاعات مليئة بالأعمدة الأثرية، وتعتبر الفسيفساء والزخارف والحلي الموجودة في القصر من الأمثلة المثالية للفن والعمارة الإسلامية القديمة. ويقول الخبراء إن زلزالا عنيفا قد ضرب المنطقة ودمر الأبنية في قصر هشام قبل أن تكتمل، وربما كانت هناك بعض الفائدة في ما جرى، فبفعل الأتربة والأنقاض المتراكمة حفظت الفسيفساء والرسومات الموجودة في القصر.

وتعتبر الفسيفساء الموجودة على أرضية الحمامات إلى جانب شجرة الحياة الموجودة في غرفة الضيوف من أهم عناصر الجذب للسياح والزوار، هذه الفسيفساء تعتبر واحدة من أجمل الأعمال الفنية القديمة في العالم.

وسجادة شجرة الحياة عبارة عن لوحة أرضية فسيفسائية موضوعة في غرفة الديوان، وتجسد شجرة برتقال على يسارها أسد يفترس غزالا، وعلى يمينها غزالان يعيشان بسلام.

لوحة من الموزاييك في قصر هشام
لوحة من الموزاييك في قصر هشام

وقام أكثر من 50 فنيا ومهندسا من اليابان وفلسطين، بترميم الأجزاء المهدمة من الأرضية، بالإضافة إلى عمل تغطية، أو بناء سقف لحفظ الأرضية من التلف، بفعل ارتفاع درجات الحرارة. ووصلت تكلفة مشروع ترميم هذه اللوحة الفسيفسائية الكبيرة إلى قرابة الـ12 مليون دولار، ممولة من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا”.

وتستخدم النجمة السداسية بكثرة في العمارة الإسلامية على مر العصور، هي والنجمة الثمانية أيضا. ووضعت اليوم نجمة حجرية في منتصف القصر، والتي كانت عبارة عن نافذة لإحدى غرف الطابق الثاني، ولكن بفعل تهدم القصر فقد اختلطت الحجارة مع بعضها، وأعيد بناء النجمة خلال أعمال الترميم والحفريات التي تمت في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل خبراء الآثار الفلسطينيين.

ويوجد إلى يمين المدخل متحف صغير يضم مجموعة من الأواني الخزفية التي اكتشفت في الموقع.

وكان يتم تزويد القصر بالماء من العيون الطبيعية القريبة، مثل عين السلطان، وكانت تمتد القنوات وصولا إلى بركة لتجميع المياه قرب قاعة الاستقبال، لخدمة الحمامات الموجودة فيه، عدا أن عين السلطان هي من المناطق التي سكنت في بدايات التاريخ.

وأنشأ الفلسطينيون مجسما يحاكي صالة الاستقبال، ووضعوا لافتات تعرف بكل زاوية فيه وما كان يحتويه من النافورة والمسجدين وقاعة الاستقبال التي شاهدنا فيها محرابا حجريا.

وأقيم متحف صغير بجانب بقايا القصر يشرح الحجارة المستخدمة في بناء القصر وأنواعها وأماكن وجودها، وكذلك توجد قطعة خشب الأرز اللبناني الذي استخدم في الفترة الإسلامية المبكرة كخشب عطري ثمين للزينة المنحوتة التي وجدت في المكان.

واستخدمت في القصر منحوتات الجبص على شكل نباتات أو حيوانات، وكان يتم تلوين هذه الزخارف الجبصية بالألوان الزاهية.

وتوجد في المتحف بقايا قطع نقدية تميزت بها فترة الخليفة عبد الملك بن مروان (والد الخليفة هشام بن عبد الملك) بعد قيامه بتغييرات في ما يتعلق بصك النقد، من خلال عدم السماح للتصاوير البشرية، والاستعاضة عنها بكلمة التوحيد واسم الخليفة وتاريخ صك العملة.

وأدرج قصر هشام في قائمة التراث الإسلامي، وهناك مساع حثيثة لإدراج الموقع في قائمة التراث العالمي، لما يحويه من أرضية فسيفسائية مميزة، ولمكان إقامته في أخفض نقطة في الأرض، وكذلك ما تبقى من آثاره القديمة التي تعتبر إرثا عالميا إنسانيا مهما يجب الحفاظ عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى