عملية أورتاكوي والتضليل المتعمد
تتعرض تركيا منذ فترة لهجمات إرهابية كبيرة تتناوب في تنفيذها التنظيمات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش والكيان الموازي، لتستهدف أمن تركيا واستقرارها. وفي أخر حلقة لسلسلة تلك الهجمات، قام إرهابي، في الساعات الأولى للعام الجديد، بإطلاق النار من سلاح رشاش داخل الملهى الليلي والمطعم الشهير “رينا” الذي يقع في منطقة أورتاكوي بمدينة إسطنبول ويطل على مضيق البوسفور، ليوقع عشرات القتلى والجرحى من المواطنين الأتراك والسياح الأجانب، معظمهم من الجنسيات العربية.
وفقا للمعلومات الأولية، منفذ العملية الإرهابية جاء إلى المكان المذكور مستقلا سيارة أجرة، ونزل من السيارة قبل عدة أمتار من الملهى، واتجه مباشرة نحو الباب، وقتل الشرطي الذي يحرسه، ثم دخل الملهى، وبدأ يطلق النار على رواد الملهى بهدف قتل أكبر عدد ممكن منهم، ثم خرج من الملهى ولاذ بالفرار.
وسائل الإعلام التركية ذكرت أن قوات الأمن توصلت إلى هوية المشتبه به، وأنه مواطن قيرغيزي جاء إلى تركيا من بلده في 20 نوفمبر / تشرين الأول 2016 مع عائلته، وانتقلوا بعد يومين إلى مدينة قونيا، وسكنوا في شقة استأجروها، وذهب الرجل وحده إلى إسطنبول برا في 29 ديسمبر / كانون الأول لتنفيذ العملية، كما أشارت التقارير الإعلامية إلى أن زوجته زعمت أنها لا تعرف انتماء زوجها إلى تنظيم داعش الإرهابي ولا حتى تعاطفه معه.
هذه العملية، كما يلفت الخبراء، لا يمكن أن ينفذها أحد لم يتلق تدريبا عسكريا واستخباراتيا على مستوى عالٍ للقيام بمثل هذه العمليات، كما لا يمكن أن يهرب من المكان بهذه السهولة إن لم يعرف المداخل والمخارج. وهناك احتمال آخر، وهو أن هناك من تعاون معه داخل الملهى وسهَّل هروبه من المكان.
قوات الأمن التركية تبذل جهودا حثيثة، وتقوم بعمليات البحث والمداهمات لإلقاء القبض على المشتبه به، والكشف عن أجوبة للأسئلة التي تطرح نفسها، مثل: “من أين حصل على السلاح الذي استخدمه؟” و”هل تواصل مع أحد في تركيا؟”، و”هل ساعده أحد داخل الملهى؟” و”هل خرج من الملهى كأحد رواده مستغلا حالة الفوضى والهلع والازدحام الشديد أو هرب من مخرج آخر لا يستعمله إلا العاملون؟”، بالإضافة إلى حقيقة انتماء المشتبه به ودوافع هذه العملية، لأن انتماء المشتبه به ما زال بحاجة إلى التثبت، على الرغم من نشر وكالة رويترز تقريرا حول تبني تنظيم داعش الإرهابي للعملية. وكانت ذات الوكالة نشرت بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف مدينة ديار بكر في 4 نوفمبر / تشرين الثاني 2016، تقريرا ادَّعت فيه أن تنظيم داعش الإرهابي تبنى العملية، إلا أن السلطات التركية كشفت عن وقوف حزب العمال الكردستاني وراء ذلك التفجير، كما أعلن فيما بعد تنظيم صقور حرية كردستان التابع لحزب العمال الكردستاني، تبنيه للعملية. وبالتالي، ليست تبرئة لتنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه لن تكون مفاجأة إن أشارت نتائج التحقيقات إلى غير هذا التنظيم.
اللافت في هذه العملية الأخيرة، أن حملة واسعة أطلقت بعدها مباشرة لنشر معلومات كاذبة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ليختلط الحابل بالنابل. وزعموا أن عملية إطلاق النار نفذها أكثر من شخص، وأنهم دخلوا الملهى متنكرين بملابس”بابا نويل”، إلا أن السلطات التركية نفت كل ذلك. كما زعموا أن منفذ العملية تحدث بالعربية، ونشروا صورا لشاب ملتحٍ قالوا إنها تعود لمنفذ العملية، ولكن اتضح فيما بعد أن تلك الصور تعود لمواطن تركي من الأصول الكازاخية ولد في تركيا ولا علاقة له بالعملية على الإطلاق. ونشروا أيضا صورة لجواز سفر قيرغيزي قالوا إنه للمشتبه به، إلا أن صاحب جواز السفر تحدث إلى موقع إخباري قيرغيزي ونفى علاقته بالعملية جملة وتفصيلا، مؤكدا أن قوات الأمن التركية قامت بالتحقيق معه في المطار قبيل عودته من إسطنبول إلى بشكيك.
قد يكون تنظيم داعش الإرهابي هو الذي قام بتنفيذ العملية الأخيرة التي استهدفت الملهى الليلي في إسطنبول، وهو أمر غير مستبعد في ظل عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا لإبعاد عناصر هذا التنظيم وميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود التركية، وقد يكون غيره، إلا أن هناك محاولة ممنهجة لتضليل الرأي العام والتستر على منفذ العملية الإرهابية لا تخطؤها عيون المتابعين.