مقال للشيخ كمال خطيب: أمر الله، فوق الأسباب المادية والحسابات البشرية
الشيخ كمال خطيب
في غمرة الأحداث ومع توالي الخطوب، ومع هول البلاء النازل على أمتنا عمومًا وعلى شعبنا الفلسطيني خصوصًا وعلى أهلنا في قطاع غزة على أخص الخصوص، فإنهم شياطين الأنس والجن يجدونها فرصتهم لزرع الشك وإثارة الشبهات في طبيعة العلاقة بين المسلم وبين ربه جل جلاله، ولسان حالهم يقولون: وماذا فعل لكم الذي تعبدونه، ولماذا لا يتدخل ولماذا يرى المساجد تهدم والأطفال تجوّع وتقتل، ولماذا يرى العلماء وحفظة القرآن يهانون، ولماذا يرى ربكم العفيفات المحجبات بل والمنقبات مشرّدات في الخيام بل يعتقلن وينكّل بهم إلى حد التعرية والاغتصاب من قبل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي كما ذكر تقرير للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، ولماذا ولماذا؟!
ففي غمرة هذا كله فإنها الحقيقة التي لا بد من تذكرها وعدم نسيانها أبدًا أن هذا الكون بكل ما فيه فإنه من خلق الله سبحانه وهو وحده المتصرف بكل شيء فيه، وأنه لا يكون في هذا الكون أمر أو شأن إلا بإرادته، ولا يتحرك فيه متحرك ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، ولا تسقط من ورقة إلا بعلمه سبحانه.
فإذا كان هو اعتقاد المسلم وكان اعتقاده صحيحًا وسليمًا وصادقًا فعندها ستدرك أن الله تعالى هو القوي وهو العلي وهو النافع وهو الضار وهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، وعند ذلك ستعلم أن كل ما يقع في ملك الله فإنما هو لحكمة يريدها وأنك لا تعلم هل الخير فيما تحب أو أنه فيما تكره {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آية 216 سورة البقرة. فإذا كان اعتقادك بالله تعالى صحيحًا وصادقًا فإن هذا سيجعلك تعيش دائمًا بقناعة أن معك صاحب القوة العظمى فما عليك إلا أن تتوكل عليه وتفوض الأمر إليه.
فتوكل عليه
فإذا استبطأت الفرج والتمكين فكن على يقين أنه سيأتي وسيكون ولكنه لن يكون إلا بإذنه سبحانه والوقت الذي هو يريده.
وإذا جمع أهل الباطل عددهم وعدتهم وكشّروا عن أنيابهم فلا تخف وتوكل على الله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران.
وإذا أعرض عنك الناس وصدّ عنك ذوي القربى وجافوك وعادوك وخذلوك بسبب عقيدتك ودينك وموقفك فأعرض عنهم وتوكل على الله {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} آية 29 سورة التوبة.
وإذا أصابتك المصائب وتوالى عليك البلاء في جسدك أو مالك أو عيالك فاستقبلها وداويها بالتوكل على الله {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} آية 51 سورة التوبة.
وإذا خشيت بأس أعداء الله من شياطين الإنس والجن فلا تلجأ إلا لرب العالمين وتوكل عليه {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} آية 89 سورة النحل.
وإذا أردت أن يكون الله وكيلك في كل حال فتمسك في التوكل {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا} آية 3 سورة الأحزاب.
وإذا أردت أن يكون الله لك ومعك، وتكون أنت خالصًا لله فتوكل على الله {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} آية 79 سورة النمل. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} آية 3 سوره الطلاق.
فوق الحسابات البشرية
إن حسن التوكل على الله سبحانه ضرورة ملحّة لنا نحن المسلمين دائمًا وأبدًا ولكنها ضرورية أكثر من هذا الزمان الذي نعيش. وإن حسن التوكل مرتبط بالدعاء والتذلل والافتقار إليه وبين يديه سبحانه إنه الدعاء الذي يربطك بصاحب القوة الأولى الله. ولقد قال أحد السلف: “إذا أردت أن يكلمك الله فعليك بقراءة القرآن، وإذا أردت أن تكلم الله فعليك بالدعاء، وإذا أردت تكلم الله ويكلمك فعليك بالصلاة”.
إنها قصة رجل أعمال قد سئل عن أعجب موقف مرّ به، فقال: ذات ليلة شعرت بالقلق والأرق ولم أعرف النوم فقررت أن أخرج من البيت لأمشي في الهواء الطلق، وخلال سيري مررت بالمسجد مفتوح فقلت لما لا أدخل فأصلي ركعتين ثم استمر في مشيي، قال الرجل: فدخلت فإذا بالمسجد رجل قد استقبل القبلة ورفع يديه يدعو ربه ويلحّ في الدعاء فعرفت أن الرجل يمر بكرب وضائقة فلما فرغ الرجل من دعائه اقتربت منه وقلت له رأيتك تدعو وتلحّ في الدعاء كأنك مكروب فما قصتك؟ قال: عليّ دين أرّقني وأقلقني، قلت: كم دينك؟ قال أربعة آلاف دينار، فأخرجت أربعة آلاف أعطيته إياها ففرح بها وشكرني ودعا الله لي، ثم أخذت بطاقة لي فيها رقم هاتفي وعنوان مكتبي وقلت له: خذ هذه البطاقة وإذا كانت لك حاجة فلا تتردد في زيارة أو الاتصال بي. وظننت أن الرجل سيفرح بهذا العرض لكنني فوجئت بجوابه، أتدرون ما كان جواب الرجل، لقد قال لي: يا أخي جزاك الله خيرًا ولا أحتاج لهذه البطاقة لأتصل بك، فأنا كلما احتجت حاجة فإنني أتصل بالله أصلي له وأرفع يدي إليه أكلمه وأطلب منه حاجتي لييسر الله قضاءها كما يسّرها هذه المرة لما أرسلك إليّ وجاء بك. قال رجل الأعمال عندها عرفت أكثر وفهمت أكثر معنى قول الرسول ﷺ: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح وبطانا” وخرجت من المسجد وأنا أتلو قول الله تعالى {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} آية 58 سورة الفرقان”.
ترى من الذي أطار النوم من عينيّ الرجل في تلك الليلة؟ ومن الذي ألهمه للخروج من البيت للمشي في الهواء الطلق؟ ومن الذي حبّب إليه أن يدخل المسجد ليصلي في غير وقت صلاة؟ ومن الذي وهبه المال ورزقه به ليفرّج به كرب ذلك الرجل المطلوب؟ إنه الله جل جلاله الذي شقّ البحر لموسى بعصاه، وإنه الله الذي جعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، إنه الله الذي أرسل الحوت ليلتقم يونس ويقذفه على الشاطئ لما نادى في الظلمات، إنه الله الذي أمر الأرض أن تفجر ينابيعها وللسماء أن تنزل مطرها انتصارًا لنوح لما قال {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} آية 10 سورة القمر، إنه الله الذي أعمى الأبصار عن رسول الله محمد ﷺ وصاحبه أبي بكر في الغار.
ومثل قصة ذاك الرجل الميسور مع الرجل المكروب فقد حصل على معي ما يشبه تلك القصة يوم اتصل بي أخ من مدينة الناصرة أعرفه وأعرف صدقه وقال بلسان متلعثم محرج أنه بحاجه لمبلغ خمسة آلاف شاقل لضرورة قصوى، إنه يخجل أن يطلبها من أقاربه ومعارفه. اجتهدت ووفرت المبلغ من أخ فاضل على أن أردها له. واتصلت بالرجل المكروب فجاء ليلًا وأعطيته حاجته، أما أنا فقد نمت ليلتها بشعورين شعور الفرح بتفريج كرب مسلم وشعور التفكير بتوفير المبلغ وإعادته لصاحبه.
ووالله فما إن كانت صلاة فجر ذلك اليوم في المسجد وكان قدر الله أن أقرأ آيات من سورة الحشر، فمررت على قول الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آية 9 سورة الحشر. وخلال القراءة وإذا بحدث المساء يعود إلى تفكيري.
انتهت الصلاة وجلست لأوراد الصباح وانفضّ المصلون ولم يبق إلا القليل، وما أن قمت للانصراف وإذا بأخ يتقدم مني وهو كذلك من مدينة الناصرة وأعرف خلقه وفضله ولكنني لم أره منذ سنين وكان قد صلّى معنا الفجر وهو أمر غير مألوف أن يأتي أخ من مدينة للصلاة في قرية أخرى لصلاة الفجر.
بعد السلام المصافحة وإذا به يخرج من جيبه مظروفًا وقال: هذا مبلغ أحد عشر ألف شاقل صدقة لوجه الله تعالى، اجعل ألفًا منها لمشروع بناء المدرسة الذي تقومون عليه واجعل العشرة الباقية لعائلات مستورة وبيوت مكروبة أنت تعرفها، وأدار الرجل ظهره وخرج وأنا مذهول وتدور في رأسي أسئلة كثيرة: من الذي أرسل الرجل المكروب إليّ وليس لغيري مع أن كليهما من نفس البلد ويعرفان بعضهما؟ ومن الذي أيقظ الآخر من نومه ليأتي لصلاة الفجر معنا؟ ومن الذي يسّر له المال ورزقه به وحبّب إليه الصدقات وتفريج الكربات؟ وقد أعدت لصاحب المال الذي أخذته في المساء ماله وكان الباقي من نصيب اخرين.
والله يشهد إنهم لكاذبون
وفي مصر التي استبدّ فيها الظالمون وما يزالون ولفقوا التهم للأبرياء والشرفاء فكان أن اعتقلوا أحد العلماء الأجلاء وما نقموا منه إلا لأنه كان يغرد خارج سرب الطواغيت ويرفض أن يكون عبدًا لغير الله تعالى. ففي إحدى جلسات محاكمته حيث أرادت النيابة وأجهزة المخابرات أن تقدم للقاضي دليلًا به تدين العالم الفاضل وكانت تسجيلات صوتية مفبركة مسجلة على شريط كاسيت.
ولحرص المخابرات وممثل النيابة على الشريط فقد طلبوا من القاضي أن يتم تشغيل الجهاز ويجرّب فيه أي شريط كاسيت آخر لضمان أنه يعمل جيدّا ولا يفسد الجهاز الشريط فتضيع عليهم أدلة كاذبة جاؤؤا بها. وافق القاضي على طلبهم ولم يجدوا إلا شريطًا فيه تسجيلات من القرآن الكريم، فوضعوا الشريط الكاسيت في الجهاز وما أن شغلوا الجهاز وإذا بأول آية في قول الله تعالى {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} آية 107 سورة التوبة.
ما أن سمع القاضي هذه الآية فأخذ يرتجف ويرتعش ويوقف المحكمة، ويبدأ فتح ملف التحقيق من جديد حيث أدرك أن إصرارهم على تشغيل شريط لتجربه الجهاز وأن لا يجدوا إلا شريط تسجيل للقرآن وأن تكون أول آية هي تلك الآية فإنما هي رسالة من الله تعالى لبيان كذب أجهزة المخابرات والظلم الواقع على ذلك العالم الفاضل.
أين ومع من ستكون أنت؟
مثلما أن الرزاق هو الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} آية 58 سورة الذاريات فان الناصر كذلك هو الله رب العالمين {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} آية 126 سورة آل عمران. ومثلما أن الرزق يأتي بعد البذل والسعي {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} آية 15 سورة الملك، فإن النصر والفرج كذلك يأتي بعد الأخذ بالأسباب والإعداد {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} آية 60 سورة الأنفال.
لكن الذي يجب أن يطمئن إليه المسلم وهو من صفاء عقيدته أن الفرج وأن الرزق يمكن أن يتحققا كذلك بأسباب هي خارج الحسابات البشرية والمادية. ومثلما ذكرنا بعض الأمثلة في قضية الرزق، فإن قضية الفرج والنصر مثلها تمامًا. ولقد حدث ذلك في أحداث معركة بدر التي كان المسلمون فيها قلة وما خرجوا للقتال وإنما لاعتراض قافلة تجارية لقريش ولكن الله تعالى أراد أمرًا آخر {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} آية 42 سورة الأنفال. ثم أنزل {ٰطَائِفَةً مِّنكُمْ} آية 154 سورة آل عمران. {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} آية 123 سورة آل عمران. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} آية 117 سورة الأنفال. وإن الذي كان في بدر كان في غيرها وسيكون كذلك في مواقع أخرى وفي كل زمان ومكان، لأن هذا كان ويكون بإرادة الله الحي الذي لا يموت فهذه إرادته وهذه قدرته يومها واليوم في كل يوم.
ومثلما أن إيماننا واجبنا بالأخذ بالأسباب فإنه لا يلغي أن لله تعالى إرادة ومشيئة هي فوق الحسابات البشرية، وأن إيماننا بقدرة الله وعظمته وإرادته لا يلغي ضرورة الأخذ بالأسباب والعمل والجهد والبذل حتى تغيير الواقع. ولقد قال محمد إقبال رحمه الله تعالى: “المسلم الضعيف هو الذي يعتذر بالقضاء والقدر، اما المؤمن القوي فإنه هو قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد”. وما أجمل ما قال الشاعر:
تفاءل تفاءل ولا تيأسن ولا تعتذر بالقضاء والقدر
إذا المرء يومًا أراد العلا فلا بد أن يستحِثَّ السِّير
إن الأخذ بالأسباب كل الأسباب يصبح عظيمًا لما يتوج بحسن التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه، ليجعلك تطمئن أنه رغم اشتداد حبل الظلم والحصار فإن انقطاعه قريب، ورغم اسوداد الليل فإن فجره قريب، ورغم اشتداد الكرب فإن الفرج قريب.
فوحقه لأسلّمن لأَمره في كل نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم لما سلَّما سَلمِا من الاغراق والاحراق
قال سبحانه {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} سورة المائدة آية ٥٢
إنه الفرج وإنه النصر الذي سيكون بإذن الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب المادية {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ}، أو أن يكون بما هو فوق الأسباب المادية والحسابات البشرية {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} دون أن نعرف طريقة ولا وسيلة هذا الأمر الرباني .
وعليه فليس السؤال هل سيتغير الحال أم لا، ولا السؤال هل سيُفرّج الكرب أم لا، ولا السؤال هل سينصر الله أمتنا أم لا ؟! فالجواب قطعًا نعم وألف نعم ومليون نعم، سيتغيّر الحال وسيأتي الفرج وسيكون نصر الله للأمة، ولكن السؤال الحقيقي أين ستكون أنت وأنا، ومع من، وفي أي معسكر سنكون ؟! وقد قال الشهيد سيد قطب رحمه الله: “لا تشغلوا أنفسكم بموعد النصر فإنه والله فوق الرؤوس، ولكن أشغل نفسك أين أنت وأين موقعك بين الحق والباطل”.
فمثل يقيننا أن الله تعالى واحد لا شريك له، فإنه اليقين أن الله تعالى سيفرج كربنا ويغير حالنا ويجمع شملنا وينصر ديننا ويرفع رايتنا بأمر من عنده. ونقسم على ذلك مثلما كان ابن تيمية خلال صراع المسلمين في مواجهة التتار يقسم قائلًا: “والله إنكم لمنصورون، فقال له بعض الأمراء: قل إن شاء الله يا إمام. فقال: أقولها تحقيقًا لا تعليقا”. نعم والله إنا لمنصورون وإن غدًا لناظره قريب.
إرفع رأسك فأنت مسلم.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون