توحيد الأذان و “عقدة العنزة الضائعة”
منذ عشرات السنين والجمهور في باقة يطالب بتوحيد الأذان ولكنهم يلاقون الرفض دائمًا من أئمة المساجد. ولعدم توحيد الأذان سيئات كثيرة منها:
1) يُرفع الأذان، أحيانًا، عن طريق أناس غير مؤهلين وأصواتهم منفرّة، وخصوصًا في أذان الصبح، حيث يؤذنون بشكل مندفع فيستيقظ الناس من نومهم فزعين منزعجين.
2) يؤذن، مرارًا، رجال طاعنون في السن فتنقطع أنفاسهم أثناء الأذان ويكاد يغمى عليهم حتى نشك بأنهم أصيبوا بنوبة قلبية، من هنا يرى السامعون أن عليهم واجب استدعاء سيارة إسعاف لإنقاذ المؤذن.
3) أذان صبيان، وخصوصًا في المصليات. أحيانًا لا يتواجد مصلون كثر في هذه المصليات فيقوم أحد الصبيان ويؤذن بشكل غير لائق ويتحفنا بأخطاء لا حصر لها في الأذان الواحد، فمثلًا يقول: “الله أكبر” مرة واحدة أو يقول “حي على الفلاح” قبل “حي على الصلاة”. وأحيانًا يكون الأب متواجدًا ويفرح بتدريب ابنه على الأذان، على الملأ.
4) أذان أحد المؤذنين الكبار، وخصوصًا في صلاة الصبح في رمضان في أحد المصليات، حيث كان يخطئ في آخر الأذان فيقول: “آذان الأول” وهذه الجملة تعني في اللغة أذني الشخص الأول، عندها ينتظره الناس ليقول: “آذان الثاني” (أي أذني الثاني).
5) يوم الجمعة، في الثالث عشر من هذا الشهر (نيسان)، وفي صلاة المغرب في مسجد النور، وبعد الأذان استضاف الإمام شيخًا ضيفًا حافظًا للقرآن ومتضلعًا في تجويده، فقدّمه ليئمّ بالمصلّين، فأطال الضيف بالصلاة، ولكن جميع المصلين فوجئوا في الركعة الثالثة بصدوح صوت من مكبّرات صوت أحد المساجد القريبة يؤذن: ” الله أكبر الله أكبر”! وبعدها توقف الأذان لأنّ المصلّين بالتأكيد هجموا على المؤذن وأبعدوه عن مكبر الصوت وأخبروه بأن آخر أذّن قبل نحو عشر دقائق. من المؤسف أن هذه الظاهرة تتكرر في عدة مساجد حيث ينسون رفع الأذان فيؤذنون بعد مرور الوقت المحدد ب 5 إلى 10 دقائق.
6) أهم مشاكل الأذان تظهر في صلاة الصبح في رمضان، خصوصًا وأن الطقس حار والأبواب والشبابيك مفتوحة في البيوت فتسمع الأذان الثاني وأنت تتسحر فتتوقف عن الأكل والشرب حالًا بالرغم من أنك استيقظت متأخرًا ولم تأكل إلا لقمة أو لقمتين، وبعدها بأكثر من 5 دقائق تسمع أذانًا ثانيًا من مسجد آخر، والمسجدان قريبان منك جغرافيًا، فالنتيجة هي مشكلة فقهية- هل يجوز لك الاستمرار في الأكل والشرب حتى يؤذن في المسجد الثاني؟ أم أذان المسجد الأول هو الذي يلزمك؟! إلى متى هذه الفوضى في أمر من أمور ديننا؟ ولماذا لا يتم توحيد الأذان في البلد الواحد كما هو الحال في قرية جت المجاورة؟ وهل هناك من يعارض ذلك؟ قمت بفحص هذه المعضلة فزرت عدة مساجد في بلدة باقة ووجدت في أغلبها أن للجامع جماعة، ولكل جماعة نظام خاص بها ربما يختلف عن العالم الإسلامي كله، وعلى رأس الجماعة إمام الجامع الذي يرى بنفسه ملكًا متوجًا مدى الحياة وأن الجامع الذي يئم فيه هو ملكه الشخصي، فهو الذي يحدد القواعد السلوكية والدينية في الجامع وهو الذي يرفض كل اقتراح جديد قائلًا: “هذه بدعة وكل بدعة ضلالة”. والأمثلة كثيرة تؤكد أن غالبية المساجد أصبحت ممالك، وغالبية المصليات أصبحت إمارات لأمراء مستقلين. إن الصلوات في رمضان تكشف ما يجري في كل جامع وكل مصلى؛ فمثلًا يزيد الاكتظاظ وقت تأدية صلاة التراويح في مسجد معين وذلك لأن وقت تأدية الركعات الثمانية قصير جدًا ويوفّر على المصلي نصف ساعة، وذلك لأن الإمام يختار من القرآن “سورة الرحمن” ويقرأ منها في كل ركعة آيات قصيرة جدًا، بينما هناك مصلّى يصلي فيه كثير من الشباب صلاة التراويح حتى قرابة منتصف الليل، وذلك لأن الإمام هناك وعد نفسه بقراءة جميع سور القرآن في تراويح شهر رمضان.
على ضوء كل ما ذكر هناك صعوبة كبيرة في توحيد الأذان في باقة الغربية وذلك لعدم تنازل بعض ملوك المساجد عن بعض صلاحياتهم التي منحوها لأنفسهم اعتباطًا. وإذا كانت هناك مشكلة بالنسبة لتمسّك كل إمام بمؤذن معين فأنا أقترح تقسيم أوقات الصلوات الخمس بين هؤلاء المؤذنين ليصبح عندنا أذان واحد موحّد. ولكن يبدو لي أن هناك بعض الأئمة ممن يخافون فكرة التخلّي عن الأذان المنفرد، فإذا هم أرخوا الحبل للناس فقد يعودون إلى العادة التي كانت متّبعة في سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي، ومفادها: إذا أضاع أحدهم شاة أو عنزة أو قطعة ذهبية أو مبلغًا ماليًا فإنه يذهب إلى المسجد ويعطي “المُنادي” بضعة قروش، الذي يصعد بدوره إلى مئذنة المسجد ( لم تكن هناك مكبرات صوت) ليعلن عن الغرض المفقود وعن المكافأة التي سيحظى بها الشخص الذي يجد الغرض. كنت في الصف الأول ابتدائي حين سمعت “المُنادي” يصدح بأعلى صوته من على المئذنة: “يا مين شاف، يا مين أرى، عنزة شامية وراها سخل- إللي بلقاها حلاوتها نصف ليرة”. فهل “عقدة العنزة الضائعة” ما زالت تطارد بعض الأئمة في باقة لدرجة أنها تمنعهم من توحيد الأذان وتجعلهم يفضّلون كلاً منهم يفصّل مؤذنه الخاص؟ وهل الأذان الموحّد يضر باستقلال بعض ممالك الأئمة وينتهك حرمتها كما تنتهك طائرة أجنبية المجال الجوي لدولة معينة، فتقيم هذه الدولة الدنيا ولا تقعدها لانتهاك حرمة أجوائها واستقلالها؟ ولماذا يحرِم أولئك الأئمة عددًا كبيرًا من الناس في هذه البلدة من ثواب حضور الجنازة والصلاة عليها (قيراطين- أي جبلين كل واحد منهما أعظم من أُحد) وذلك بمنعهم الإعلان عن وفاة مسلم وعن مكان وزمان خروج جنازته؟ هل هناك مرجع ديني لهذا المنع؟ إذا كان كذلك فاعلنوه على الملأ. أما الرسول نفسه فقد سمح بالإعلان عن الميت من باب الإخبار والإعلام فقط لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم،” نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصفّ بهم وكبر عليه أربعا”، متفق عليه. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم “من تبع جنازة مسلم ايمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يُصلى عليه ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين من الأجر، كل واحدٍ منها أعظم من جبل أُحد”. فلماذا تحرموننا من هذا الثواب؟ تُراها بدعة عندكم؟ أم أن “عقدة العنزة الضائعة” لا تزال متأصلة في قلوبكم؟