أعطني ملخصا أعطك جاهلًا
لا بد أن الكثيرين ما زالوا يذكرون مرحلة الدراسة الثانوية وما رافقها من حرص محموم على اقتناء الملخصات أو «الكورسات» التي هي بمثابة الاستاذ الخصوصي، ولكن بشكل كتيب يلخص المواد المختلفة ملحقة بالتدريبات وأسئلة الامتحانات النهائية للسنوات السابقة والإجابات!
قد نلتمس العذر لطلبة التوجيهي بسبب زخم المواد وقصر فترة الدراسة والأعصاب المشدودة وضغط المجتمع ومعدلات القبول الجامعية المرتفعة على الأغلب التي تدفعهم الى سلوك أقصر الطرق وأسرعها للنجاح، غير أن هذه المرحلة الانتقالية لم تعد استثنائية فقد أدمن الطلاب الملخصات حتى باتوا يطالبون بها ويتوقعون وجودها في كل مرحلة دراسية وفي الدراسات العليا، والاستاذ الأفضل هو الذي يوفرها ويطعم الطلاب المعلومات مهروسة بالملعقة حتى يسهل عليهم الهضم والفهم!
وفي معظم الدول العربية الطلبة متفرغون ومُعالون، فهم لا يشتغلون وأهاليهم يدفعون أقساطهم على الأغلب، وهم بذلك يجب أن يكونوا طلبة متفرغين بدوام دراسي كامل full time لا بدوام جزئي part time لطالب يمضي في ساحات الجامعة وردهاتها ومطاعمها أكثر مما يمضي في قاعات التدريس!
إن من يعتمد على ثقافة الملخصات كمن يعتمد على الوجبات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتضر أكثر مما تنفع، قد يحصل بعض الفائدة وينجح في المواد، ولكنه ينتفخ من الخارج ومن الداخل يكون كالطبل الأجوف، وهذا ما يحصل في كثير من جامعاتنا العربية التي تخرج حملة شهادات، ولكنها لا تخرج علماء ولا طلاب علم أو مثقفين!
ولا غرو في ظل انتشار التعليم المبني على التلخيص أن نعاني من اضمحلال ثقافة البحث العلمي، فالذي لا يستطيع قراءة كتاب منهجي أو مصدر موسوعي لن يغوص في أمهات الكتب وجديد المطابع، ولن يأت بالجديد من بنات أفكاره وكتابة يديه.
المشكلة أن الملخصات أصبحت هي الأصل بل أصبح تقييم الاستاذ «الشاطر» يعتمد على توفيرها وأصبح الاستاذ الواقعي يعرف أن الطلاب لن يقرأوا المنهج من الكتب، فيضطر الى مجاراة حالة التردي والخروج بأقل الخسائر والإجابة بنعم على ذلك السؤال المتكرر: هل تغني الملخصات عن الكتاب؟ وهو سؤال مرتبط بالتحصيل في الامتحان والقدرة على الإجابة على الأسئلة، وليس تحصيل العلم من معينه، ولا يتوقف الأمر عند هذا، بل يتخرج الطالب بدرجة علمية في مجال معين، وهو لم يقرأ ولا كتابا موسعيا او متخصصا في مجاله!
يبدو غريبا في الوقت الذي يريد فيه طلبتنا أن نقلص كتبهم الجامعية الى كتب جيب pocket books يمكن أن يحملوها في جيوب ملابسهم، ويقرؤها في خمس دقائق، أو أن تكون الكتب على شاكلة كيف تتعلم المادة الفلانية في أسبوع، أو العلوم من غير معلم أن في تاريخنا علماء مثل الجاحظ مات بعد أن وقعت عليه مكتبته وكتبه الثقيلة الكثيرة، أو مثل أحمد بن حنبل الذي لم يتقاعد أو يتقاعس عن طلب العلم بعد أن كبُر وقال قولته الشهيرة: مع المحبرة حتى المقبرة.
مخطئ من ظن أنه قد يحصل علما تحت ظل الشجر أو أمام مشهد الغروب أو عند مع مغازلة الحسان أو بعد إرهاق العيون والأيدي على لوحة المفاتيح وأمام شاشة الكمبيوتر
إن طريق العلم كان وما زال محفوفا بالمشاق وبذل الجهد، ولذا كان العلماء ورثة الأنبياء وصدق الشاعر إذ قال:
أخي لن تنال العلم الا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء و حرص و اجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ و طول زمان
وما غير ذلك ينتج أنصاف وأرباع وأثلاث المتعلمين حتى نصل الى العدم، والشهادات كثيرة ولكن العلماء قلائل والانجازات أقل وحضارتنا في سبات عميق أو موت سريري!