القيادات والاستعدادات – لشهر الخيرات
في صيف هذا العام ستعقد العديد من النشاطات الرياضية العالمية. وكلنا نعلم أن الرياضيين يستعدون لهذه النشاطات (أولمبيادة أو بطولة أوروبا لكرة القدم أو غيرها..) منذ فترة طويلة، تصل حتى الى سنين من الاستعدادات. هم مستعدون للتضحية بعدة جوانب كي يتموا الاستعداد الأفضل ليحققوا الفوز والهدف المطلوب. وقد علمتنا الحياة أن تحقيق التميز المُثبت والنجاح الحقيقي المُبهر (دون علاقة لهوية النجاح المطلوب), لا يأتي بالسهل. ومرحلة الاستعداد والمسيرة نحو تحقيق أي هدف سامي ليتكلل بالنجاح, هي المرحلة الأصعب. وبعدها تكون فترة استعداد أخرى – الاستعداد للاحتفال بتحقيقه لما فيه من أوقات سعيدة, لتبدّل شعور التعب الذي يرتبط بذلك.
وها هو شهر رمضان يحلُّ علينا بفضل الله تعالى. وأرى من الواجب أن أذكر في كل حلول لهذا الشهر المبارك، أن هذا الشهر هو مناسبة واجب علينا الاستعداد لها والاحتفال بها بكل ما هو خير ويرضي الله عز وجل. ويجب الاستعداد لها قبل وخلال وبعد. إنه مناسبة لمناسبة, أي انه يُحدث أحداثاً وليس فقط حدثت به الأحداث. ويكفي الحدث العظيم الذي يميزه: نزول القرآن الكريم – الذي ما زال وسيبقى أقوى معجزة للبشرية – لنحتفل به ونعتبره من أهم المناسبات السنوية في حياتنا وعالمنا. ومن ضمن الاستعداد لـ”مناسبة شهر رمضان” الذي به دعوة للتغيير الحقيقي ولتذوق العبادات المعطرة بالأجواء الإيمانية, قرّر رب العباد أن تُفتح به أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم وتقيد الشياطين. المناسبة المميزة والمختلفة تستحق الاستعداد المميز والمختلف، وهكذا يتعامل ربّ العباد مع مناسبة شهر رمضان، فكيف بالعباد أنفسهم؟
إن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الشهر مناسبة سنوية متكررة لإنعاش متجدد للأرواح والأنفس وعلاقتهما ببارئهما, أيضاً من باب الاستعداد لباقي أيام السنة – وليس فقط لرمضان. هناك من يعتبر ويفهم الاستعداد لهذا الشهر بأن يقوم بشراء كميات هائلة من المواد الغذائية في ليلة الأول من رمضان (كأنه يتنبأ مجاعة محلية رهيبة في الأيام الأولى من رمضان), وبعدها لا يعير الأهمية الى كميات الأكل التي ألقيت في القمامة كما هي – في وقت هناك من يجد الصعوبة في توفير السحور والفطور لعائلته. هذا ليس الاستعداد الصحيح والمقصود. وهناك من يقوم بقضاء الوقت الثمين حتى الفجر بمشاهدة ومتابعة مسلسلات لا فائدة منها سوى لأصحاب القنوات والإعلانات. ليس من الخطأ مشاهدة البرامج في بعض الوقت, لكن لنشاهد المفيدة والنافعة منها, ومثل هذه البرامج الخاصة لرمضان موجود وبوفرة أيضاً والحمد لله. والأهم أن نستغل لحظات رمضان للقيام بأعمال الخير ليلاً ونهاراً.
إن المناسبة التي تُدعى شهر رمضان تستحق استعداداً هو بنفسه مناسبة عظيمة لتحقيق ما هو أهم من كل شيء آخر – وهو أن نعبد الله حق عبادته. وذلك بأن نستغل أيضاً كل ما سخّر لنا من نعم وطاقات ومواد لنستفيد ونفيد أنفسنا منها وكذلك ليستفيد ونفيد المجتمع بها، في رمضان وفي غير أوقات رمضان. هذا أيضاً ما يجب على قيادات المجتمع أن تستعد وفقه وعلى أساسه في إدارة كل شيء هي مسؤولة عنه; نحن نريد قيادات تشتاق كل الشوق لتكون جميع أيامنا رمضان – من مخافة الله وحسن علاقاتها مع الناس والتعب الحقيقي على توفير أفضل الظروف لهم, والتميز بأخلاق وقيم إنسانية راقية, وبمراعاة الغير في شتى الظروف، وفوق كل هذا إتقان الأدوار التي يجب عليها القيام بها بإخلاص وأمانة، من إدارة وتخطيط ومهنية ونجاعة وأعمال مُثبتة. والكثير من كل هذا.
فلنجعل العِبَر من شهر رمضان سارية المفعول طيلة أيام السنة وعند كلنا بإذن الله. فعندها سيصبح رمضان بشكل ملموس وفعلًا: مناسبة لنحتفل بها أجمعين ان شاء الله, وأيضاً لنحتفل بسبب نتائجها بمناسبات جديدة سارة تنتظرنا, لم نستطع الاحتفال بها في زمننا هذا. حالياً. ولهذه المناسبات استعدادات تليق بها. والله الموفق.