غزوة بدر معجزة الله
تُسمى هذه الغزوة أيضًا ب “غزوة بدر الكبرى” و”بدر القتال” و ” يوم الفرقان”. وبدر نسبة إلى مكان المعركة التي وقعت على أرض بدر، وبدر أسم لعين ماء تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة (على بعد 70 كم جنوبي المدينة). وكان وقوع هذه المعركة في صباح يوم 17 رمضان من العام الثاني للهجرة، المصادف 13 مارس 624 م. وكان زعماء قريش المشاركين والذين يقفون على راس جيش مكة هم:
1) أبو جهل- عمرو بن هشام المخزومي، وكان فرعون الأمة وسيد قريش. 2) عُتبة بن ربيعة 3) الوليد ين عُتبة 4) عقبة بن معيط. ولم يخرج الزعيم أبو لهب بل أخرج واحدًا مكانه، وأما أمية بن خلف فقد خرج مُكرهًا بعد أن أحرجه أهل قريش وذلك لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد أشار إلى مقتله قبل المعركة.
بعد هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم،وأصحابه من مكة إلى المدينة استولى زعماء قريش على أملاكهم وبيوتهم، هذا طبعًا بعد أن عاملوهم معاملًة في غاية القساوة. في هذه الظروف أُخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بأن قافلًة لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب (أحد زعماء قريش) ومحملة بمختلف البضائع والأموال والتي تُقدر قيمتها ب 50 ألف دينار ذهبي، كل هذه البضائع محملة على 200 بعير ويحرسها 30-40 مقاتلًا، سوف تمر بالقرب من المدينة وهي في طريق عودتها إلى مكة قادمة من الشام. عندها قرر النبي أن يقابل أهل قريش بالمثل ويسعى من أجل استرداد شيء مما نهبه كفار قريش من المسلمين وذلك بمصادرة أموالهم عن طريق الإغارة على قافلتهم. ولكن أبا سفيان عرف نية المسلمين فغير طريقه وأرسل إلى مكة شخصا يدعى ضمضم بن عمرو ليخبرهم بالأمر فهرعت قريش لنصرته والدفاع عن أموالهم بكامل العدة والعتاد الحربي وكان عددهم 900-1000 مقاتل يقودهم أبو جهل وبحوزتهم 200 فرس و100 بعير. ولم يتخلف من قريش إلا أبو لهب. بينما كان عدد جيش المسلمين 314 مقاتلًا من الصحابة ومعهم 70 بعيرًا (يتعاقبون ركوبها) وفرسان. وكان الرسول لا يريد قتالًا. إلا أن جموع قريش المهاجمة، وبالرغم من نجاة القافلة ووصولها بسلام إلى مكة توجهت نحو بدر- المكان الذي رابط فيه جيش المسلمين. وكان مع الجيش القريشي القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين، وأصروا على مقاتلة المسلمين بالرغم من أن بعض زعمائهم نصحوهم بعدم خوض المعركة. لقد استعد الرسول وصحبه لهذه الحرب وغوروا (ردموا) الآبار القريبة من بئر بدر وأبقوا من البئر حوضًا للشرب. وعند وصول جيش قريش دعا الرسول الله وقال: ” اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني”. قضى الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليلة المعركة في الصلاة والدعاء وقد عبأ جيشه ومشى في أرض المعركة وهو يقول: “هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله غدا”. وقد استبشر الناس بالنصر. ومن المعجزات الأخرى التي حدثت في بدر أن الله أنزل النعاس والطمأنينة على المسلمين ليلة بدر وأنزل المطر ليطهرهم ويصلب الأرض الرملية لتثبيت أقدام المسلمين. وقد جاء في سورة الأنفال: “إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” الآية 11. بينما المطر الذي نزل على جيش قريش فكان شديدًا ومنعهم من التقدم. وصل جيش قريش أرض المعركة وخرج منه ثلاثة رجال وطلبوا المبارزة فوثب إليهم ثلاثة من الأنصار فرفض القريشيون مبارزتهم وقالوا: “أنتم أكفاء وكرماء مالنا بكم حاجة وإنما نريد بني عمنا”. فأخرج الرسول، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة من قومه لمبارزتهم وهم:
1) عبيدة بن الحارث 2) حمزة بن عبد المطلب (أسد الله). 3) علي بن أبي طالب. فبارز حمزة شبيبة بن ربيعة فقتله، وبارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة وقتله، وبارز عبيدة بن الحارث عتيبة بن ربيعة فضرب كل واحد منهما الآخر ضربة موجعة فكر حمزة وعلي على عقبة وقتلاه عندما كان متجهًا نحو الحوض. ولكن عبيد ما لبث أن توفي متأثرًا بجراحه أمام الرسول فقال عنه الرسول: “أشهد أنك شهيد”. ولما شاهد جيش قريش مقتل الثلاثة الذين خرجوا للمبارزة غضبوا وهجموا على المسلمين هجومًا عامًا فصمد المسلمون وهم واقفون موقف الدفاع ويرمونهم بالنبل كما أمرهم الرسول. وكان شعار المسلمين “أحد أحد” ثم أمرهم الرسول بالهجوم قائلًا: “شدوا” وواعدًا من يقتل صابرًا محتسبًا بأن له الجنة. ومما زاد نشاط المسلمين واستبسالهم سماعهم قول الرسول،صلى الله عليه وسلم: “سيُهزم الجمع ويولون الدُبر”. لقد ابتكر الرسول في قتاله مع قريش يوم بدر أسلوبًا عسكريًا لم يكن معروفًا من قبل عند العرب وهو: “القتال بنظام الصفوف”، وهذا الأسلوب أشار إليه القرآن الكريم في سورة الصف: “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص”. وصفة هذا الأسلوب ان يكون المقاتلون على هيئة صفوف الصلاة، تكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان وتكون الصفوف التي خلفها من أصحاب النبال لتسديدها من المهاجرين على الأعداء. وبعد عمل الصفوف عملها استلت السيوف واحتدم القتال حتى هُزمت قريش. وكان المسلمون على قناعة تامة بأن الله أنزل الملائكة تقاتل معهم أعداءهم وأن إمداد الله للمؤمنين بالملائكة امر قطعي فقد جاء في سورة الأنفال: “إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان”. الآية 12. هكذا أخذ القريشيون يفرون وينسحبون وانطلق المسلمون يأسرون ويقتلون حتى هُزمت قريش هزيمة نكراء وقُتل من جيشها ومن قادتها 70 مقاتلًا وأسر 70 آخرون. أما قائد قريش أبو جهل- عمر بن هشام المخزومي، (فرعون ذلك العصر) فقد قام بقتله غلامين (في جيل الفتوة) من الأنصار بسيفيهما وكانت هذه علامة تحقير من الله لهذا الطاغية. واستشهد في هذه المعركة 14 شهيدًا من المسلمين. ولمعركة بدر أهمية كبرى فهي معركة نموذجية لمعارك المسلمين في المستقبل والتي سيهزم فيها المسلمون الجيوش الفارسية والبيزنطية. إنها معركة يتحدى فيها الله الكفار بشكل مباشر ويظهر قوته أمام هيمنة القرشيين وطغيانهم فأنزل على رسوله سورة الأنفال والتي سماها بعض الصحابة بسورة بدر. لقد قلبت بدر موازين العالم أو بالأحرى عدلت موازين العالم المقلوبة. بعد بدر وُلدت أمة ثابتة راسخة لها رسالة ولها هدف ولها طموح. لقد نشأت الأمة الإسلامية التي حملت على عاتقها هداية البشرية، الأمة التي ستصبح خير أمة أخرجت للناس. ولهذه المعركة مكانة رفيعة ومتميزة في تاريخ الإسلام فقد وسمت المجاهدين الذين اشتركوا فيها بوسام متميز من التقدير والاحترام وسجل التاريخ بطولتهم في صفحات مشرقة بحيث صار المجاهد البدري يُعرف بطلًا مقدامًا تمنى المسلمون لو كانوا مكانه فكان يكفي المسلم قدرًا ان يقال عنه أنه بدري. لقد رفعت هذه الغزوة من معنويات المسلمين وزادت في ايمانهم وهزت كيان العدو وضعضعت عزيمته كما غيرت وجهة نظر الاعداء إذ صاروا بعدها ينظرون إلى المسلمين أنهم قدرة لا يستهان بها. رحم الله شهداء بدر وجعل معارك المسلمين كلها بدرًا، هذا إذا حاربوا أصلُا.