هلال رمضان ودفتر الذكريات
أيام قليلة وبعدها سيهل علينا هلال شهر رمضان المبارك، فاللهم ربنا أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والفتح المبين والفرج القريب، هلال رشد وخير يا هلال رمضان، ربي وربك الله.
ولأن هلال رمضان يهل علينا ومنذ سنوات بل ومنذ عقود والأمة على ما هي عليه من الذل والهوان والفرقة وتسلط الاعداء وخيانة الانذال من أشباه الرجال الذين تسلطوا على رقاب الامة من القادة والزعماء فلأن رمضان يأتينا والأمة على هذا الحال فإننا لو نبشنا الذاكرة وقلبنا صفحات التاريخ فإننا نجد أن بداية رمضان لهذا العام 1437_2016 تتزامن وبفارق اسبوع واحد مع اثنين من الذكريات احداها سعيدة والأخرى حزينة، الاولى تثير فينا معاني العزة والشموخ والثانية تغمرنا بالخزي والعار، اما الاولى فإنها فتح القسطنطينية ورفع رايات الاسلام على أسوارها وأما الثانية فإنها احتلال القدس وضياعها ورفع اعلام الاحتلال الاسرائيلي على اسوارها.
عند أسوار القسطنطينية
يوم الاحد الاخير 29-5 ولكن من العام 1453 كان اليوم الذي رفرفت فيه اعلام التوحيد على اسوار القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ولتصبح من يومها تحمل اسمها الجديد اسلامبول ولتكون مقر خلافة المسلمين مدة 450 سنة.
قائد شاب لم يتجاوز عمرة 23 سنة هو السلطان محمد ابن السلطان مراد الثاني وهو من حظي بشرف فتح القسطنطينية التي منها كانت تصدر اوامر تأديب وإذلال الشعوب والأمم الأخرى وليس ذلك وحسب بل انه شرف تحقيق ما سبق وقاله النبي صلى الله عليه وسلم ( لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الامير اميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).
انها القسطنطينية التي منها كانت تعبر جيوش الفرنج الذين افتخروا وأطلقوا على انفسهم اسم ” الصليبيين” متجهين نحو القدس في حملات متتالية طوال قريبا من مئة عام، ها هي القسطنطينية اليوم تتجرع كأس الذل وهي تحاصر من جيش تعداده 250 الف مقاتل وأسطول من 180 سفينة حربية وحول اسوارها نصبت 18 طوبنجية”مدفعية” ثقيلة كان المدفع الواحد يحتاج الى 100 ثور لجره وهو يرمي القذيفة التي تزن 12000 رطل من البارود.
صحيح ان الاعداد العسكري كان في اعلى درجات الاستعداد والتخطيط لكن الاستعداد المعنوي والإيماني كان لا يقل اهمية ان لم يكن الأهم.
كان يوم فتح يوم ثلاثاء لكن محمد الفاتح سبق ذلك بيوم الاحد الذي امر فيه الجنود الضباط بالصيام تطهيرا وتزكية لأنفسهم وتقوية لعزائمهم وفي الليل راحت معسكرات الجنود تصدح بالتكبير والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة القران.
ويم الاثنين كان اجتماعه الاخير مع القادة والضباط الذين اوصاهم بأخلاق الاسلام في الحرب والحفاظ عليها وذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال فيه ” ولنعم الجيش ذلك الجيش” وقال قولته المشهورة ( ان هذه السيوف التي نحملها ليست للزينة ولا التباهي وإنما هي لنقاتل في سبيل الله، وهل نكون اهلا لنسمى مجاهدين اذا لم نتحمل في سبيل الله هذا العناء)؟!؟
وفي يوم الثلاثاء 29-5 كانت اشارة البداية بضربة واحدة على طبل كبير اعقبتها ثلاث ضربات ثم اصوات التكبير ايذانا بالهجوم وفتح ابواب الاسوار ثم الدخول الى القسطنطينية اعظم عاصمة من عواصم الدنيا يومها.
دخل السلطان محمد الفاتح الى القسطنطينية فنزل عن فرسه وسجد على التراب شكرا لله تعالى بل انه عفر رأسه بالتراب وهو يبكي فرحا على فضل الله ونعمته بهذا الانتصار الخالد، وكان من عظيم اخلاق السلطان محمد الفاتح انه وبعد ان تبين ان الامبراطور قسطنطين امبراطور الدولة البيزنطية قد قتل خلال المعارك فانه امر ان يسمح لأهل ملته ان يقيموا له جنازة تليق به كملك وإمبراطور.
لم تتوقف اندفاعة المسلمين الاتراك عند القسطنطينية وإنما استمرت بعد السلطان محمد الفاتح نحو بلاد البلقان ووسط اوروبا ووصلوا الى بلغراد عاصمة الصرب وفتحوها بل انهم وصلوا الى النمسا وحاصروا فينا عاصمتها سبعة اشهر لولا انهم اضطروا للرجوع بعد محاولة اسماعيل الصفوي الشيعي احداث فتنة في بلاد فارس فكان لا بد من الرجوع وتأديبة.
ها نحن اذا وفي دفتر الذكريات وقبيل رمضان فإننا نقرؤها تلك الصفحات الخالدة من تاريخ الامة يوم اعتزت بدينها ورفعت راية التوحيد وإذا بها تفتح البلاد وتحرر العباد على يد بطل مسلم غير عربي لكن هكذا هي العقيدة وهكذا هي الامة الواحدة تتعالى على القوميات والعصبيات الضيقة وتلتقي على الاخوة الاسلامية في مشاهد عزة وكبرياء وشموخ، فذلك خالد بن الوليد العربي بطل اليرموك وذلك صلاح الدين الكردي بطل حطين وذاك طارق بن زياد البربري بطل فتح الاندلس وذلك السلطان قطز المملوكي بطل عين جالوت وذلك محمد الفاتح التركي بطل فتح القسطنطينية.
عند أسوار القدس
فإذا كان دفتر الذكريات يحدثنا عن يوم الاحد الاخير 29-5-1453 وما حدث فيه من انتصارات عند اسوار القسطنطينية فانه دفتر الذكريات يحدثنا عن يوم بعد غد الاحد القريب 5-6- من العام 1967 وما حدث فيه من هزائم ومصائب ونكسات وأين؟ عند اسوار القدس تلك الاسوار التي بناها السلطان العثماني سليمان القانوني للدفاع عن القدس وحمايتها وصونا لمسجدها الاقصى.
نعم انه يوم فضيحة الثورة العربية ويوم خزي المشروع القومي العربي حينما استطاعت اسرائيل ان تنتصر على جيوش ستة دول عربية وخلال ساعات وان شئت قبل، خلال ستة ايام كان جيش اسرائيل قد احتل القدس الشريف والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان في حرب قصيرة خاطفة اسماها البعض حرب الايام الستة واسماها البعض حرب الخامس من حزيران واسماها البعض حرب الايام الستة، واسماها البعض نكسة 1967. وليكن اسمها ما يكون فهي في الحقيقة تحمل كل معاني الخزي والذل والهوان والعار والشنار لأدعياء القومية العربية التي كانت يومها في اوج طرحها وبريقها الزائف.
نعم عند اسوار القدس تمرغت كرامة العرب والمسلمين في التراب يوم دخل الاسرائيليون الى القدس واحتلوا المسجد الاقصى المبارك ورفعوا علم اسرائيل فوق قبة الصخرة المشرفة لا بل انهم الذين راحوا يهتفوا بعبارات الحقد والكراهية لما كانوا يقولون ” يا لثارات خيبر” ويقولون ” محمد مات خلف بنات” ويقولون حط المشمش عالتفاح دين محمد ولى وراح”.
انها القدس اسرى اليها برسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحررها من الصليبيين البطل المسلم الكردي صلاح الدين الايوبي وجاء ادعياء القومية العربية ليضيعوها ولتلبس القدس من يومها ثوب العار ولتتجلل بالحزن وهي تدنس والمسجد الاقصى ينتهك امام سمع وبصر كل العرب والمسلمين.
ولكنة الفارق الكبير بين اسوار القسطنطينية وأسوار القدس، اسوار القسطنطينية رفرفت عليها وما تزال اعلام التوحيد وأسوار القدس رفرفت عليها وما تزال اعلام الاحتلال الاسرائيلي وان ما حصل عند اسوار القسطنطينية وأسوار القدس ليذكرنا بالمدفعية الثقيلة ” الطوبنجية” التي امر السلطان محمد الفاتح المهندس العسكري المجري ” اوربان” بتصنيعها خصيصا لفتح القسطنطينية ودك اسوارها وهذا ما كان بينما صُمت اذاننا ونحن نسمع عن صواريخ “القاهر والظافر” التي كان يتغنى بها جمال عبد الناصر ويهتف باسمها احمد سعيد البوق الاعلامي التافه الاكثر شهرة يومها من بين ابواق ادعياء القومية العربية، انها الصواريخ التي كانوا يزعمون انها ستدك تل ابيب وتجعل اسرائيل تركع ذليلة صاغرة.
لم نر الظافر ولا القاهر يقهر اسرائيل وإنما اسرائيل هي التي قهرتنا وأذلتنا واحتلت قدستنا وأقصانا وأرضنا.
ثم انه الفارق الكبير ليس فقط بين اعداد السلطان محمد الفاتح العسكري وأعداد قادة القومية العربية وإنما في الحالة المعنوية التي كان عليها السلطان محمد الفاتح لما كان يذكر ضباطه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ” لتفتحن القسطنطينية فلنعم الامير اميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” بل والذي كان يأمرهم بالصيام وقراءة القران والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعركة.
وفي المقابل فإنهم القادة العسكريون القوميون في هزيمة حزيران 67 حيث حافظ الاسد والد بشار هو وزير الدفاع السوري يومها وماذا ننتظر من طائفي نصيري حاقد لا يعترف بصلاة ولا بشعيرة من شعائر الاسلام بل هو عدو للإسلام ومثله في مصر حيث كشفت تقارير ما بعد هزيمة ونكسة وفضيحة 67 ان وزير الدفاع المصري المشير عبد الحكيم عامر كان ليلة الهجوم الاسرائيلي في سهرة خمر مع كبار ضباطه مع نساء فاسدات من نساء الليل.
هذا ما نقرؤه في دفتر الذكريات حيث الامة تعيش الانتصارات والأمجاد والفتوحات لما تلتزم شرع الله سبحانه وترفض كل فكر دخيل وكل نزعة تدعو لتقسيم الامة على اسس قومية او وطنية بدل الوحدة الإسلامية, والعكس هو الصحيح فإنها الهزائم وانه ضياع الاوطان وانتهاك المقدسات لما تبتعد الامة عن مشروع الوحدة الاسلامية وتختار لها مشاريع قومية او حزبية او وطنية ضيقة.
انه دفتر الذكريات فيه نجد حال الامة وما كانت عليه وما كانت تحققه من انتصارات حتى في شهر رمضان حيث اشهر المعارك الفاصلة في تاريخ الامة فإنها كانت في رمضان فهذه معركة بل وهذا فتح مكة وهذه معركة عين جالوت وهذه معركة فتح قبرص، ومعركة فتح الاندلس وغيرها وغيرها من معارك كانت في شهر رمضان.
ها هو شهر رمضان يوشك ان تبدأ ايامه ويهل علينا هلاله حيث الامة بما هي عليه من فتن وانقسامات وتسلط للظالمين على الشعوب المقهورة واستغلال الاعداء لهذه الاوضاع لزيادة قبضتهم على مقدرات الامة وإمكاناتها واستمرار استعبادهم لها.
ولان اعداءنا يعلمون علم اليقين كيف بدأت البوصلة تتجه نحو العودة للهوية الاصلية عند الشعوب العربية والإسلامية وان هذه الشعوب بدأت تسعى لتغيير الواقع فإننا نرى حجم التكالب من اعداء امتنا ومن عملائهم من بني جلدتنا علينا.
وإذا كان دفتر الذكريات قد ازدحم على ابواب رمضان بذكريات ومشاهد من اسوار القسطنطينية وأسوار القدس فانه دفتر الذكريات ليسطر قريبا صفحاته فصولا جديدة من فصول المجد والعزة والكرامة والفتوحات والانتصارات بإذن الله تعالى، اليس كذلك يا هلال رمضان؟ فاللهم اهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والفرج القريب والفتح المبين يا رب العالمين.