في مقابلة شاملة مع الشيخ رائد صلاح: من أجل التغيير الحقيقي المطلوب أن نكون جزءا ملتحما مع شارعنا ومجتمعنا في الداخل الفلسطيني
* يريدون أن أغير خطابي عن ثوابتي، أو أبدي مرونة حول قضية الثوابت، وهذا من المستحيل أن يصدر عني حتى تغادر روحي جسدي
* لا قيمة لي أصلا إن أبديت ولو تلعثما في الانتصار لأي ثابت من هذه الثوابت
* لا بد من إقامة صندوق قومي ذاتي يعتمد على جيوبنا وجيوب مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بعيدا عن آفة صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية التي تعطي بيد وتملي أجندتها باليد الثانية
* لا عذر لمن يتبنى خطاب الأسرلة وهو خطاب لا يمثلنا ولا يمثل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني.
* العقلية الصهيونية تقول: يجوز أن يكون هناك تمثيل للمجتمع الفلسطيني في الداخل في الكنيست ولكنه تمثيل لا تأثير له
* من أجل التغيير الحقيقي المطلوب أن نكون جزءا ملتحما مع شارعنا ومجتمعنا في الداخل الفلسطيني
* بالنسبة لأيمن عودة هناك خطابات ومواقف له أرفضها مبدئيا ولا أراها تنسجم مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية في حدها الذي عشناه في الداخل الفلسطيني على مدار عشرات السنوات
* نؤمن بالحرية التي تحمل في مظهرها وجوهرها كامل إنسانيتنا ولا تخدشها ولا تتطاول على ثوابتنا ورموزنا بادعاء الحرية!!
* لا يجوز تحت شعار “أنا انتقد وأنا حر” أن نستبيح كل شيء إلى حد استخدام ألفاظ الكفر أو لغة إشاعة الفاحشة أو لغة الأسرلة
* الدور الإنساني الرفيع الذي عاشت به الأخت آية خطيب يمثّل كل حر وحرة فينا في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني
* قضية مقبرة الإسعاف تخص كل مجتمعا تمس عصب ارتباطنا بأرضنا وتاريخنا وجذورنا وبرمزية مقدساتنا
* نحن بحاجة إلى أقوى وحدة موقف على صعيد النقب يجعل من قضية العراقيب على سبيل المثال قضية كل بلدة في النقب، ويجعل من كل قضية أخرى في رحاب النقب قضية كل بلدة في النقب
* سندخل السجن ولسنا متأسفين على الطريق التي سرنا فيها، على العكس هكذا طريق سنجد فيها هكذا مواقف وتضحيات وأثمان
* لأبناء المشروع الإسلامي: ظلوا على يقين أن ثوابتكم هي ثوابت الطهارة والرقي والسؤدد التي تجمع بين مطلب الحرية وبين أصالة الانتماء
طه اغبارية
اللقاء الإعلامي بالشيخ رائد صلاح، بعد نحو 3 سنوات على حظر تواصله مع وسائل الإعلام على خلفية محاكمته في “ملف الثوابت” ليس بالأمر السهل، فالرجل كان فاعلا في كل هموم شعبنا في الداخل الفلسطيني وعلى رأسها بطبيعة الحال مواكبته لملف القدس والمسجد الأقصى المباركين، ولم يقتصر دوره أبدا على التواجد الرمزي في المواقع التي استدعت استنفاره واهتمامه، لم يلتقط صورة ويلقي كلمة ويقفل عائدا، بل ترك أثرا ماديا في وقوفه على كل ثغرة من ثغور الوطن والتحديات التي تفرضها المؤسسة الإسرائيلية على شعبنا.
لم يتوقف الشيخ رائد صلاح منذ أزيل حظر تواصله مع الإعلام عن استقبال الإعلاميين من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والإسلامية، من بينها: وكالة الأناضول التركية، قناة الحقيقة الدولية، قناة اليرموك الأردنية، إحدى الإذاعات الأردنية، موقع الجزيرة، قناة وطن المصرية المعارضة، قناة تي آر تي التركية العربية، الإعلامي يزيد دهامشة، الإعلامي أنس موسى وغيرها من وسائل الإعلام. لذلك كانت “مفكرته” ولا تزال مزدحمة بالمواعيد المضروبة مسبقا، وانتظرنا بدورنا في صحيفة “المدينة” حتى يتسنى اللقاء مع شيخ الأقصى ونتحدث عن القدس والأقصى وسائر الملفات التي سكنت الشيخ رائد صلاح على مدار سنوات عطائه للعمل الإسلامي والعربي والفلسطيني.
إعلام مساند للثوابت
يؤمن رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا، أن الاهتمام الإعلامي به ليس فقط لشخصه وما تعرض له من ملاحقات واعتقال، وإنما هو “يعكس يقظة إعلامية مباركة تجتهد على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني أن تواصل الانتصار لثوابتنا ولقضية القدس والمسجد الأقصى، وتواصل تسليط الضوء على داخلنا الفلسطيني وما نعاني منه، ولا شك أن كل وسائل الاعلام التي أجرت معي مقابلات تحمل رسالة المساندة لكل قضايانا وهذه أمانة في أعنقانا جميعا أن نتحدث بلغة الثابت على ثوابته والمنتصر لها”. كما يقول.
ماذا تريد المؤسسة الإسرائيلية من الشيخ رائد
– قلتَ إنك لم تتفاجأ من رفض الاستئناف، ما الذي استوقفك في تبرير الرفض بحسب قرار قضاة المحكمة المركزية؟
الشيخ رائد: اطّلعت على القرار من خلال قراءة هيئة الدفاع، وفي الحقيقة كله عجب، سواء كان مسوغات قرار محكمة الصلح أو مسوغات قرار محكمة الاستئناف المركزية، كل تبريراتهم لا يمكن أن يستوعبها إنسان سوي. عندما يقرأ الانسان تبريرات هذه القرارات يشعر وكأن المحكمة كان فيها طرف واحد، هو النيابة. قد يتبادر إلى الذهن سؤال: وأين كان طاقم المحامين إذا؟! أين أقوالهم؟ هل كانوا صامتين؟ لماذا قد يصل القارئ إلى هذه الأسئلة، لأنه عندما يقرأ مبررات قرار الحكم يتبين له أن القضاة لم يأخذوا بعين الاعتبار إطلاقا ما قاله طاقم المحامين وما قلته أنا في شهادتي الطويلة التي استهلكت العديد من الجلسات والساعات، ومع ذلك كأنني ما تكلمت شيئا، ففعلا لم اتفاجأ، لأن القرار بني على أوهام ليس إلا. وهذا ما قلته في أول كلمة عندما أدليت بشهادتي بناء على أوهام ليس إلا؟
– إزاء الملاحقات والاعتقالات المتكررة، ما الذي تريده المؤسسة الإسرائيلية منك؟
الشيخ رائد: هم يريدون مني المستحيل، ما هو هذا المستحيل، يريدون مني أن أغير خطابي عن ثوابتي، يريدون مني أن أبدي- وفق حساباتهم- مرونة حول قضية الثوابت، وهذا من المستحيل أن يصدر عني حتى تغادر روحي جسدي، لماذا؟! لأن هذه الثوابت أغلى عليّ من حريتي ومن روحي ومن جسدي، لا قيمة لي أصلا إن أبديت ولو تلعثما في الانتصار لأي ثابت من هذه الثوابت.
ولذلك طمع المؤسسة الإسرائيلية مني لن يتحقق في يوم من الأيام، وعلى هذه الأساس أنا أظن أنني كنت مطاردا وسأبقى مطاردا حتى بعد أن أخرج من السجن في الأشهر القادمة التي سأقضيها بناء على المحكومية الأخيرة بناء على قرار المحكمة، لا أظن أن سياسة مطاردتي ستتوقف، أنا لا أتمنى ذلك طبعا، ولكن أقول ذلك فهما للواقع وتأكيدا أنني متوكل على الله سبحانه وتعالى، لن أتراجع عن ثوابتي في المستقبل، فكما أحيا بها اليوم وكما عشت بها في الماضي هكذا سألقى وجه الله تعالى بها.
من يتنازل عن ثوابته يكتب على نفسه الانتحار
– يقول البعض إن الشيخ رائد ومشروعه خسروا الجولة مع المؤسسة الإسرائيلية فالحركة حظرت والحاضنة الشعبية ممثّلة بالمؤسسات والجمعيات حظرت هي الأخرى؟
الشيخ رائد صلاح: أؤكد أن الربح يبدأ من لحظة الانتصار للثوابت، لا يوجد أي ربح حقيقي على حساب التخلي عن الثوابت، لذلك قلتها في الماضي وتزيدنا الأيام قناعة أن أي شعب أو أمة تتنازل عن ثوابتها فمعنى ذلك أنها كتبت على نفسها الانتحار حتى لو كانت في ظاهر الأمر تأكل وتشرب وتنام وتستيقظ، إلا أنها كتبت على نفسها الانتحار في هويتها وانتمائها وإنسانيتها، وأنا لن يأت اليوم الذي توهمني فيه مظاهر الدنيا على حساب ثوابتي سواء كانت هذه المظاهر، مالا أو منصبا أو جاها أو منصة هنا أو هناك، لن تغريني كل هذه الشكليات على حساب ثوابتي، أنا بإذن الله رب العالمين، أكدت ولا زلت أؤكد بكل قناعة وليس مجرد بهرجة إعلامية، أكدت بعد ان خرجت من جلسة المحكمة الأخيرة أنني أنا المنتصر، ثوابتي المنتصرة، القدس والمسجد الأقصى المنتصران، موقفنا الإسلامي العروبي الفلسطيني المنتصر، لسبب واحد وهو الأصل الأصيل لأننا نحن ما دمنا نحيا مع ثوابتنا نحن منتصرون، وقد يلحقنا الأذى وليكن، قد ندفع تضحيات وليكن، قد نواجه بمطاردة وسجون وليكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أصلا لا قيمة للثوابت بدون تضحيات، فالذي يظن أن التضحيات من أجل الثوابت خسارة هو لا يفهم ماذا يقول؟
– هل انت راض عن حجم التضامن معكم من قبل مكونات شعبنا في الداخل؟
الشيخ رائد: ما أشعر به من خلال نبض شارعنا في الداخل الفلسطيني يفرحني، لا يزال هناك ضمير حي في الداخل الفلسطيني ينتصر للثوابت، أنا بالنسبة لي ما دام هناك ضمير حي ينتصر لثوابتنا في الداخل الفلسطيني، اعتبر انه ينتصر لي، حتى لو لم يقف بشكل شخصي متضامنا مع قضيتي، لأن قضيتي ليست شخصية، لست مطاردا لأن اسمي رائد صلاح، أنا مطارد بسبب ثوابتي، فمجتمعنا في الداخل الفلسطيني- وهذا يفرح طبعا، كل المؤشرات تقول إنه مجتمع يملك الضمير الحي، ينتصر للثوابت وهذا من فضل الله تعالى علينا جميعا.
الآن، على صعيد أوسع من ذلك، على صعيد كل شعبنا الفلسطيني على صعيد جماهير أمتنا المسلمة والعالم العربي، خلال هذه الأيام المعدودات التي تواصلت فيها مع هذه الدوائر، لا شك أن كل المؤشرات تفرح وتؤكد أننا فعلا أمة الخير حتى قيام الساعة، لا زلنا جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، قد يتعرض هذا الجسد لمرض قد يتعثر في بعض الحالات ولكن ذلك ليس النهاية سيبقى هذا الجسد الإسلامي العروبي الفلسطيني قابلا أن ينتصب على قدميه في كل لحظة، وهذا ما سيكون في قابلات الأيام.
لجنة المتابعة… انتخاب مباشر وتنشيط
– كنت غائبا عن المتابعة في السنوات الأخيرة، كيف تقيّم أداء اللجنة، يقال إنها استنفذت نفسها أو على وشك؟
الشيخ رائد صلاح: لجنة المتابعة العليا كمنصب يجب أن نحافظ عليه ونعض عليه بنواجذنا ما دمنا نحيا في هذا الموقف الذي نعيش فيه. لذلك علينا أن نفرق بين المنصب وبين الدور. فيما يخص دور المتابعة بمواكبته للأحداث المصيرية التي نعيشها والتي تتصاعد وتحيط بنا يوما بعد يوم، أنا على قناعة أن لجنة المتابعة بكل مكوناتها، رئاسة وعضوية، ليست راضية عن الدور الذي تقوم به. إذا يبقى السؤال ما هو المطلوب حتى نحافظ على هذا المنصب الأساس الذي يجسد العنوان الأساس للداخل الفلسطيني. إلى جانب ترشيد وتنشيط دور هذا المنصب الذي اسمه المتابعة، أنا وفق قناعتي يتحقق ذلك إذا تبنينا استراتيجية من عدة خطوات وهي كالتالي:
أولا: يجب أن نخطو خطوة جريئة، وهي انتخاب مباشر للجنة المتابعة.
ثانيا: يجب تنشيط لجان المتابعة الـ 10، ويجب أن نكون صريحين مع أنفسنا، بمعنى أي رئيس لجنة لا تسمح له الظروف أن يقوم بدوره، نعذره، ولكن في نفس الوقت يجب أن نكون صريحين معه ونقول له انت مطالب أن تتنازل عن هذا الدور وأن تعطي المجال لغيرك، لأنه لا يعقل أن يكون هناك رؤساء لا يقومون بدورهم ولا يعطون المجال لمن يمكن أن يقوم بهذا الدور. لا بد من تنشيط كل لجان المتابعة الـ 10، لأنني على قناعة أن مهمات هذه اللجان لو اكتملت جديا على أرض الواقع لحملت كل هموم الداخل الفلسطيني، ولكن لا يعقل أن ننظر إلى واقع لجان المتابعة فلا نجد إلا لجنة الحريات هي النشيطة فقط من بين هذه اللجان.
ثالثا: لا بد من إقامة صندوق قومي ذاتي يعتمد على جيوبنا وجيوب مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، من أجل أن يكون هناك قوة مالية للجنة المتابعة، بشرط أن تكون هذه القوة المالية، قوة ذاتية، تحفظ لنا استقلالية قرارنا استقلالية موقفنا واستقلالية رؤيتنا بعيدا عن آفة صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية التي تعطي بيد وتملي اجندتها باليد الثانية.
كلي طمع أن نأخذ بهذه الخطوات كرؤية استراتيجية للنهوض بلجنة المتابعة، وأنا على قناعة أننا إن شاء الله تعالى سننقل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني- إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تحقيق هذه الخطوات- إلى مرحلة جديدة، إلى مرحلة عمل وأمل، إلى مرحلة صمود وتفاؤل وهذا هو المطلوب فورا بلا تأخير.
خطاب الأسرلة لا يمثل مجتمعنا
– مظاهر وخطاب أسرلة منتشر في بعض أوساط مجتمعنا كيف الخروج من هذه الحالة؟
الشيخ رائد: لا عذر لمن يتبنى خطاب الأسرلة بغض النظر عن اسمه ولا منصبه، خطاب الأسرلة لا يمثلنا ولا يمثل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وهو في واد ولجنة المتابعة العليا في واد آخر، لذلك أقولها بكل اطمئنان، إن خطاب الاسرلة مؤلم جدا، ولكن أنا لا أخاف على ضمير مجتمعنا في الداخل الفلسطيني هو ضمير حي يحيا بثوابته الإسلامية العروبية الفلسطينية ويملك الفطرة الصافية التي ترفض خطاب الأسرلة بلا تلعثم، يحاول البعض أن يغطي خطاب الاسرلة بقشرة مصالح ولكن هذا لن ينطلي على ضمير مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، هذه القشرة من المصالح سرعان ما تتكشف وتظهر الحقيقة وهي أن خطاب الأسرلة مرفوض أصلا.
ولذلك المطلوب الآن ان نكون صريحين بأدب مع خطاب الأسرلة وأن نرفضه بوضوح ثم أن نبني في نفس الوقت قوة مناعة اجتماعية في ضمير مجتمعنا في الداخل الفلسطيني لمواصلة رفض هذا الخطاب وعدم قبول أي عذر له إطلاقا مهما كانت الدوافع.
المطلوب حركة صمود وخطاب تفاؤل
– ثمة إجماع بين من المختصين والمتابعين بتراجع دور الأحزاب واستغلال ذلك من قبل دعاة الأسرلة؟
الشيخ رائد صلاح: إذا نظرنا الى الأحزاب في الداخل الفلسطيني نجد أن لها عدة محطات في مسيرة حياتها، وهي محطات لا تزال جنبا إلى جنب، بمعنى هناك أحزاب رضيت لنفسها- وطبعا نحن نخالفها مبدئيا- أن يكون أحد محطات نشاطها من على منبر الكنيست إلى جانب نشاطها من خلال لجنة المتابعة، إلى جانب نشاطها من خلال وجودها كحزب في الداخل الفلسطيني.
وهناك أحزاب أخرى تقف بإصرار عند نشاطها من خلال لجنة المتابعة العليا ووجودها اليومي مع جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني فقط. هكذا تقريبا هي دوائر النشاط التي تعمل فيها الأحزاب. ولو قيّمنا تجربة الأحزاب الفاعلة من على منصة الكنيست، أقولها بشكل واضح وبكلمات احترم فيها الجميع بدون استثناء، إن هذه التجربة بدأت عند البعض قبل 70 عاما، وهي كانت ولا تزال مظهرا لنشاط احتجاجي فقط. واعتقد أن العقلية الصهيونية التي كانت وراء صناعة الكنيست، وضعت لنفسها استراتيجية تقول: يجوز أن يكون هناك تمثيل للمجتمع الفلسطيني في الداخل في الكنيست ولكنه تمثيل لا تأثير له”، هكذا هي استراتيجية الموقف التي وضعتها قوى صهيونية أقامت الكنيست سمحت أن يكون هناك تمثيل لنا ولكن بلا تأثير، بمعنى ان تستفيد هي من وجود هذا التمثيل ونحن لا نستفيد منه، وهذا ينعكس على نشاط أحزابنا في الداخل.
وبناء عليه أقول سلفا نجد هناك الاحتجاج بعد الاحتجاج ثم ماذا؟ علينا ان نصب جهودنا في المكان الصحيح المؤثر، وهو لجنة المتابعة لأنها العنوان الأساس لمجتمعنا في الداخل، تنشيط لجان لجنة المتابعة وأن نبني مؤسسات أهلية عصامية تعتمد على جيوبنا، حرة في قراراها ومسيرتها ومتحررة من ضغوط صناديق الدعم ثم أن نسعى إلى تقوية اللحمة بيننا كأحزاب وبين النشاط الشعبي لجماهيرنا في الداخل الفلسطيني، ثم أن نعيش آلام هذه الجماهير.
لن يجدينا نفعا أن نظل نتحدث عن آلام هذه الجماهير فقط من على منصات مؤتمرات، أو من على منصات مؤتمرات صحفية، أو من على منصات إضرابات ومظاهرات فقط، وكأننا في أبراج عاجية أو كأننا في واد وآلام الجماهير في واد آخر هذا لن يجدي. آن الأوان أن تنزل القيادة إلى شارع الجماهير، ومن يظن أن المطلوب أن ترتفع الجماهير من شارعها إلى مستوى القيادة، فهذا جنون ومرفوض، المطلوب أن تتلطف القيادة وان تتواضع وأن تنزل إلى مستوى شارع الجماهير وآلامها وما تعانيه من هدم بيوت من مصادرة أراضي ومطاردات أمنية، من ضحايا العنف من كل هذه الكوارث التي نعيشها في المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية، أن ننزل إلى مستوى شارعنا وأن يكون هناك التأكيد على لحمة هذا الموقف لهذا المجتمع الفلسطيني واحترام مضمون لتعددياته السياسية والدينية وتحصين هذه التعددية بثوابتنا التي لا يمكن التنازل عنها.
في تصوري هذه الرؤية المطلوبة، إذا أردت تلخيصها ألخصها كالتالي: المطلوب حركة صمود وما يخرج عنها من نشاطات وتفصيلات، والمطلوب خطاب تفاؤل حتى نلقى الله تعالى.
تيار المقاطعة والقائمة المشتركة في ميزان الربح والخسارة
– ولكن ألم يخسر تيار مقاطعة الكنيست أمام تيار الكنيست وبالتالي سيقال إن هذا يثبت جدوى المشاركة في لعبة الكنيست؟
الشيخ رائد: هذا الوصف بهذا التضييق لا أوافق عليه إطلاقا، بل الواقع مغاير جدا، عندما وقفت فئة من شعبنا وأبدت موقفها من الكنيست وقالت أنا ارفض لعبة الكنيست ولا اتردد ان اقاطع هذه اللعبة، هذا موقف من حقها ان تعبر عنه وتحيا به وأن تموت عليه، لا يوجد شيء اسمه هل ربحت أم خسرت، هذه قناعتها، ربحها أن تبقى مع قناعتها خسارتها ان تتنازل عن قناعاتها، لذلك ما دامت هي في هذه القناعات أيضا من حقها ان تبني مناعة في داخل مجتمعنا الفلسطيني قائمة على هذه القناعات، الآن في المقابل عندما يقال إن هناك من يسير باتجاه الاندماج في لعبة الكنيست، هذا ليس قول معصوم؟ حتى يقال ممنوع ان يناقش؟ من قال ذلك، هذا رأي بشر فمبدأ مناقشته حق، وان يقيم وتقيم تجربته، ويقال قيمنا التجربة فوجدنا أنها خاسرة، هذا حق لمن يريد ابداء رأيه.
من قال إن تيار الكنيست ربح!! نسأله ماذا تقصد انه ربح؟! إن قصدت أنه ربح 16 مقعدا بهذا الوصف الرقمي نقول لك إنه ربح، ولكن إذا جئنا ونظرنا إلى ما بعد هذا الرقم، ماذا عن برنامج العمل الذي تحدث به هذا الرقم 16 في فترة الدعاية الانتخابية؟! أين ذهبت الوعود؟! أين ذهب البرنامج ونظرية لن نكون مجرد أعضاء احتجاجيين سيكون لنا الدور المؤثر، اين نظرية سنوصي على غانتس لرئاسة الحكومة حتى نهزم اليمين ونهزم نتنياهو؟ الواقع يقول إن هناك نتائج عكسية تماما، غانتس تحول من أداة وفق وعود القائمة المشتركة إلى أداة لتثبيت اليمين ونتنياهو. إذاً لو نظرنا إلى حقيقة التقييم الذي يسمى الربح والخسارة، هل الذين حصلوا على 16 مقعدا ربحوا أم خسروا!! يؤسفني ان أقول ان من ذهبوا للاندماج بلعبة الكنيست منوا بخسارة كبيرة ولا شك أنها ارتدت الان على جماهيرنا في كل الداخل لأنك بقدر ما تضخم من الطموحات إن لم تتحقق تتحول بحجمها الكبير إلى خيبة أمل كبيرة وهذا الذي يحدث الآن.
بحكم السجن ثلاث سنوات فعلية وسجن منزلي، انقطعت عن مواقع التواصل ولكن مما سمعته من الأهل، كانوا يتحدثون ان الكثير يتساءلون ماذا فعلنا أين نذهب الآن، كل ذلك يقول انه لا يكفي أن نأخذ مدة زمنية قصيرة بعمر شهرين ونقول خسرنا؟ الشهران قالا كلمة واحدة: المشتركة حصلت على كذا مقاعد، ولكن الان هناك تغيرات وأحداث، الان ماذا يقال، هناك خسارة كبيرة وعلينا ان لا نكتفي وليس هذا المطلوب بل علينا ان نسأل بشكل موضوعي مبدئي، لا يسأل عن لغة الانا الشخصية ولا نحن الحزبية، بل علينا ان نسأل كيف نضمن لمجتمعنا الحد الأدنى من الربح الذي يضمن له الصمود بعد أن تجلت حقيقة البعد الكبير عن تحقيق ما وعدت به القائمة المشتركة، لذلك أقول إن عنواننا هو المتابعة وعلينا ان نتواصى به خيرا.
اجتهدت المشتركة ووعدت انها ستقضي على العنف؟ طيب الان باللغة الرقمية 16 مقعدا ولكن يتصاعد العنف نحن في كارثة ومأساة نعيش كأننا في حرب وليس ضحايا عنف، نعيش جائحة أكبر من كورونا، نحن نعاني من جائحة العنف، كان هناك وعود ولكن اشتدت الجائحة وتتفاقم، ننظر بقلق ورعب على مصيرنا الذي ما زلنا نتعثر به ونتخبط به، وهذا ما يجعلني أقول آن الأوان ان ننزل من ابراجنا العاجية إلى مستوى شارعنا أن نحيا همومه ونعاني كما يعاني ونتألم كما يتألم ونندمج معه في همه ومسيرة التغيير المطلوبة. وما أعظم من قول الله تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” لن يحدث التغيير بلغة المؤتمرات ولا لغة الشعارات المطلوب ان نكون جزءا ملتحما مع شارعنا في مجتمعنا بالداخل الفلسطيني.
– هل أنت على مسافة واحدة من مكونات القائمة المشتركة وكيف تقرأ العلاقات البينية بين هذه المكوّنات؟
الشيخ رائد صلاح: مكونات القائمة المشتركة عموما ليست متقاربة فكريا ولا في المواقف سياسية وكذلك الاجتماعية، هناك من يتبنى خلفية إسلامية وهناك من يقف على خطاب قومي أو وطني، وهناك من يتبنى الاندماج مع المجتمع الإسرائيلي. إذا هي في الأصل خطابات مختلفة، ولكن المقلق أنه عندما تلتقي هذه المكونات في دائرة القائمة الواحدة ان تبدأ مع الأيام تتبنى الخطاب الواحد، وبعد فترة تفقد حالها وإذ هناك مسافة بعيدة بين الأصل الذي انطلقت منه والحال الذي وصلت إليه. مثال: أن يكون هناك موافقة مبدئية عند القائمة المشتركة بكل مكوناتها لتلقي دعم من صناديق صهيونية أمريكية هذا بتصوري أصلا غير مقبول عند كثير من قواعد مكونات القائمة المشتركة، وهذا هو الخطر أنهم بدأوا يلتقون مع الأيام في الموقف الواحد المرفوض على كثير من مكونات قواعد القائمة المشتركة. مثال آخر: فكرة التوصية بغانتس قد تكون عند اشخاص في المشتركة، وليست فكرة عند أحزاب ولا حتى كل أعضاء الكنيست في المشتركة وقد يكون هناك خلاف داخلي في الحزب الواحد في كل مكونات المشتركة حول التوصية بغانتس، ولكن أين الخطر، انه على أرض الواقع يتم القفز عن هذا النقاش وتبني التوصية بغانتس، ما يعني ودون اتهام لنوايا أحد، أننا في المحصلة نقف على مشهد بعيد كل البعد عن الثوابت التي عشنا عليها على مدار عشرات السنوات الماضية.
هناك حالة صدام مع هذه الثوابت إذا أردنا ان نكون صريحين، وأقيس على ذلك أمورا يطول سردها الآن لأنني لست في معرض تقييم تجربة القائمة من ألفها إلى يائها هذا يحتاج إلى حديث طويل، ولكن أقول إن الخطر أن يكون هناك حالة اندماج في موقف واحد في المحصلة رغم الاختلاف في أصل المكونات ورغم رفض القواعد عند كل هذه المكونات. لكل هذه المواقف التي بدأت تقوم بها القائمة المشتركة، هذه الجدلية التي بدأت تصنع شكلا من أشكال الصدام بين المكون كمكون وبين وجوده كجزء من المشتركة او الجدلية بين كل قواعد كل القائمة المشتركة وبين الموقف الرسمي للقائمة المشتركة هذه جدلية الآن غير محلولة إطلاقا، ومعاذ الله أن أعيش على القيل والقال، ولكن هناك أعضاء كنيست أنا اعرفهم يقولون نحن غير راضين عن مسألة التوصية وصناديق الدعم ومظاهرة تل أبيب.
جملة أخيرة أقولها بهذا الخصوص: انا احترم كل انسان بما يكتب من تغريدات إذا رأيت انها تخالف فأنا اخالفها باللغة الأدبية المطلوبة وإذا كان فيها إيجابيات أشير إليها بغض النظر حتى لو كانت لغة طفل من أطفالنا في الداخل، ولكن لا أخفيك أنني اهتممت ان اقرأ التغريدات الأخيرة للأستاذ محمد بركة رئيس لجنة المتابعة فوجدت فيها قلق شديد وتحذيرات شديدة من ضبابية الموقف الذي نعيشه الآن في هذه الجدليات التي تحدثت عنها.
أيمن عودة ومصادمة الثوابت
– عضو الكنيست أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة يقود خطابها وطروحاته تمس في كثير منها الثوابت ما رأيك بهذا الاعتقاد؟
الشيخ رائد: أقولها بشكل واضح أنا لا أؤمن أن هناك انسان من مجتمعنا معصوم، وفي نفس الوقت لا أؤمن أن هناك إنسان من مجتمعنا مرفوض كليا، لا هذا ولا ذاك. بالنسبة لأيمن عودة هناك خطابات له ومواقف له أنا أرفضها مبدئيا ولا أراها تنسجم مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية ولا أراها تنسجم مع ثوابتنا في حدها الذي عشناه في الداخل الفلسطيني على مدار عشرات السنوات والتقينا فيها بالمتابعة بالعديد من الشخصيات التي ترفض هذه الخطابات وهذا المواقف، لم تكن هناك أدنى “دندنة” على مثل هذه المواقف التي ارفضها بشكل مبدئي، وصدرت عن أيمن مثل: التوصية بغانتس، التواصل مع صناديق دعم صهيونية أمريكية، مخالفته في بعض القضايا ثوابتنا الاجتماعية القيمية مثل تغريدته غير الموفقة حول موضوع الشذوذ الجنسي.
– على ذكر الشذوذ الجنسي ومجمل الطروحات الهجينة على مجتمعنا هناك من يتهم المعارضين بتكميم الأفواه والاعتداء على الحريات؟
الشيخ رائد: أقولها بشكل واضح وجازم، نحن أمة الحرية، ونحن من صنعنا تاريخا إسلاميا عربيا كان من دعائمه الحرية لكل شعوب الأرض، وقادتنا هم من كانوا يقولون (ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها). نحن نرفض العبودية من الناس لبعض الناس لأنها تناقض الحرية، نريد للناس أن يعيشوا أحرارا. نحن نؤمن بهذه الحرية التي تحمل في مظهرها وجوهرها كامل إنسانيتنا ولا تخدشها. إن كان هناك عملة وجهها الأول اسمه الحرية فالوجه الثاني اسمه الإنسانية، اعطيني هذه العملة انا معها تماما، أما أن يقال هذه حرية ووجهها الثاني الصدام مع الثوابت هذه تحولت الى تطاول وإن سميتها حرية. لو فرضنا أن بعضنا جنّ وأراد تأسيس جمعية تجيز الانتحار، فما المطلوب منا؟! هل ندافع عنه بإسم الحرية؟ علينا ان نكون على مستوى مسؤولية إدراك الفهم العميق لمصطلحات حياتنا وخطابنا ومستوى حياتنا الاجتماعية ولغتنا على مستواها السياسي الاجتماعي الجماهيري حتى نبقى ندور في دائرة ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية. عندها سنجد أن من أصول هذه الثوابت الحرية التي تقود إلى الإنسانية أو الإنسانية التي تتوج بالحرية، هكذا قام تاريخنا وحضارتنا والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى. نحن في مرحلة يجب أن نتحلى فيها بشخصية المسؤول الموزون غير المدفوع لا بضغط خارجي ولا بضغط داخلي.
العنف الكلامي والجرأة على الثوابت في مواقع التواصل
– لماذا الحوار السياسي خاصة عبر مواقع التواصل في مجتمعنا يميل إلى العنف الكلامي؟ ومرات إلى حالة من الثرثرة التي تبغي المناكفة وليس الاقناع، أو الحوار السليم للوصول إلى اتفاق؟
الشيخ رائد: يجب أن نصل إلى مرحلة راشدة نتحرر فيها من خطاب المناكفة وخطاب النكاية ومن خطاب تتبع العورات، خطاب راشد نتفق فيه على لغة خطاب قد بلغت سن الرشد، تسعى إلى دعم مسيرة مجتمعنا الفلسطيني، إن كان فيها لغة نصيحة مرحبا بها، وإن كان فيها لغة نقد فمرحبا بالنقد، ولكن بعيدا عن الهرطقة بعيدا عن التجريح وبعيدا عن التطاول على التاريخ، وبعيدا عن التطاول على ثوابتنا، بعيدا عن التطاول على الشخصيات المعطاءة في مجتمعنا.
لا يجوز تحت شعار “أنا انتقد وأنا”، أن نستبيح كل شيء إلى حد استخدام ألفاظ الكفر أو لغة إشاعة الفاحشة والعياذ بالله أو لغة الأسرلة والعياذ بالله، لا يوجد هناك مجتمع هلامي، مجتمع لا لون له ولا رائحة ولا طعم، هذا المجتمع الخيالي موجود فقط في العالم الافتراضي، لذلك نقول إن مجتمعنا يحمل اسما وله ثوابته ومدلوله ولونه وطعمه ورائحته، فتعالوا بنا نحافظ على اسم مجتمعنا من حيث المعنى والجوهر والشكل والمظهر، ثم لننتقد بعضنا بعضا تحت قاعدة رائعة رفيعة قالها سيدنا عمر (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي)، لا يعقل أن أحدنا إذا عارض الآخر، أن تبرز بينهما لغة التخوين وليس لغة البحث عن الحقيقة. أيضا لا يعقل أن يكون هناك عند الحديث عن تعدد الآراء لغة التفكير والتخوين ولغة الاقصاء فتضيع الحقيقة. نحن مطالبون إذا أردنا تغيير الواقع أن نكون صريحين مع أنفسنا. يجب على كل القيادات السياسية والإعلامية والمجتمعية والمؤسسات الأهلية أن تغيّر خطابها لما هو مطلوب وأن تنشط تأثيرها على مواقع الافراد التي تشكل خطابا شعبيا لمجتمعنا، وهو يضم عشرات الآلاف من المواقع وهذه المواقع الشعبية لن تتغير إلا إذا تغير أصلا خطاب القيادات وارتقى إلى مستوى الرشد والتصحيح وليس التجريح.
المطلوب أن ندور بهذه الدوائر بذاتيتنا بثوابتنا وأصالتنا ولغتنا العربية الرائعة، بدل كلمة تخوين هناك مئة بديل في اللغة العربية، المطلوب أن نعود ونغير هذا الأمر ليس عبر إبداء شعارات استهلاكية بل أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نغير فعلا. على القيادات أن تبدأ القيادات تغير اقلامها وفحوى خطاباتها حتى يجري ذلك على مواقع مجتمعنا في كل الداخل الفلسطيني. إذا لم نسر بهذا الاتجاه عند ذلك سيضحك بعضنا على بعض وسيخادع بعضنا بعضا ليس إلا.
العنف والأولويات بعد السجن
– تحوّل العنف إلى تهديد حقيقي لكل مجتمعنا كيف يمكن الخروج من هذا المستنقع الذي يغرقنا جميعا؟
الشيخ رائد: بكل صراحة وشفافية ومع الألم أقول: إذا اكتفينا بالحديث الذي لا زلنا نردده ونعود إليه في أنه على الشرطة أن تقوم بواجبها، إذا وقفنا عند حد هذا الخطاب فقط، يعني أننا أعلنا الهزيمة وهذا أمر خطير جدا، لا يوجد هناك مجتمع يرضى لنفسه أن يعلن الهزيمة، مهما كان التحدي كبيرا، لا يجوز أن نعلق ضعف واجبنا على هذه الجملة وكأننا قمنا بالواجب. نعم علينا أن نشير إلى تقصير الشرطة كجزء من منظومة معادية لنا ولكن علينا أن ننزل من أبراجنا العاجية إلى واقعنا في كل بيت قتل أو جرح منه أحد أبنائنا بجرائم عنف، فلننزل من الأبراج إلى هذه البيوت وأن نواصل معالجة العنف بالخطاب الدائم. وليس القائم على لحظات عاطفة عند حد مظاهرة أو قافلة سيارات او مسيرة جماهيرية. نحن بحاجة إلى منظومة عمل تقوم على أرض الواقع وتنبت من حيث همومنا وآلامنا في كل بيت في الداخل وتستمر وتستقطب كل ما يمكن من مقومات مجتمعنا.
اجتهدت قبل اعتقالي أن أصيغ كل الفكرة التي ذكرتها آنفا، بما سميناه لجان افشاء السلام، والحمد لله في حينه اخذنا دعما من المتابعة ورئيسها الأخ محمد بركة، ودعم الأخ طلب الصانع، رئيس لجنة مكافحة العنف المنبثقة عن المتابعة، ولقد نجحنا في إقامة 40 لجنة افشاء سلام تمثل أكثر من 70 بلدة في الداخل، وبدأنا بخطوة متقدمة لإقامة لجان في كل البلدات حتى من الأهل المسيحيين والأهل الدروز، وقمنا بخطوات متقدمة بهدف تغطية كل البلدات. وكان لهذا اللجان برامج عمل قمنا بوضعها، ونقصد عملا بكل معنى الكلمة، ثم جرى اعتقالي. لذلك أقولها- ولا الزم أحدا برأيي- لا استبعد أن يكون أحد أسباب اعتقالي هي مبادرتنا التي نشطنا فيها لإقامة لجان افشاء السلام، البعض لا يريد لنا ان نقوم بخطوات جادة لمحاربة العنف. عندما كنت معتقلا في سجن “رامون” شاهدت تقريرا على القناة الأولى العبرية وكانوا يتحدثون عن اعتقالي، وإذ بواحدة تدعي انها “خبيرة” تقول “هذا الإنسان كيف سمح له أن يقيم 40 لجنة لقضايا الإصلاح الاجتماعي”!! هذا يعني أن خطواتنا كانت مرصودة من قبل المؤسسة الإسرائيلية وهذه “الخبيرة” تقول إن تلك الخطوات كانت مرفوضة عند المؤسسة الإسرائيلية فهل وصل هذا الرفض ليكون من ضمن دوافع اعتقالي؟! ربما.
أنا لا ادّعي أن لجان افشاء السلام لو عملت كانت ستفعل المستحيل، ولكن بالتأكيد لو قامت وطبقت برنامجها كانت ستضع خطوات مباركة للسير بمجتمعنا للخروج نحو الفجر الصادق، للخروج من ظلمات العنف، لعلنا كنا ننجح أو لعل من يأتي بعدنا كان سينجح، هذه سيرورة مجتمعية والتغيير لا يحدث بيوم ولا بسنة أو سنوات. المطلوب ان لا تغيب عنا خطوات التغيير، اجتهدنا أن نبدأ بخطوات التغيير.
إذا قدر لي أن أعود إلى إمكانية خدمة مجتمعي في قادمات الأيام فإلى جانب تنشيط حركة التغيير التي قامت عليها لجان افشاء السلام، سأجتهد أن أعطي الوقت الطويل لملف العنف حتى وإن احتاج منّا أن نتنقل في اليوم الواحد من اقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فلن نتردد بذلك أنا وغيري من أصحاب الهمم الممتازة في مجتمعنا.
– هذا يحيلنا إلى سؤال حول برنامج الشيخ رائد وتطلعاته بعد خروجه من السجن؟
الشيخ رائد: كما ذكرت فإن ملف العنف سيكون ضمن أولوياتي إضافة إلى مواصلة السعي في حفاظ الاحترام والنصيحة والمساهمة في مسيرة لجنة المتابعة لأننا نهتم بها كما نهتم بأشخاصنا. كما أتطلع إلى كيفية تعزيز وترسيخ الحفاظ على ثوابتنا كما هي ثوابتنا في القرآن الكريم والسنة النبوية والفلكلور الفلسطيني واللغة العربية، ليس كما حاول أن يجرّمها القضاء الإسرائيلي، هذا أيضا من ضمن تطلعاتي للعمل، وهذا سينسحب طبعا على دوام علاقتي مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، وسينسحب على دوام علاقتي مع انتمائي الإسلامي العروبي الفلسطيني، وسينسحب على دوام علاقتي للحرص على شبكة علاقات أهلية دائمة مع كل مكونات مجتمعنا في الداخل بغض النظر عن التعددية السياسية، مع الاهل المسلمين مع الأهل المسيحيين مع الأهل الدروز مع كل المكونات السياسية، سأحيى وأموت وأبقى حريصا على شبكة هذه العلاقات بروحها الإيجابية الدائمة، وإلى جانب ذلك ستبقى عندي لغة النصيحة ولغة النقد، ولكن في حدود تبني ولا تهدم، تنتصر للثوابت ولا تنتصر للأنا الشخصية ولا لنحن الحزبية.
الأسيرة آية خطيب والدور الرفيع
– جرى خلال محاكمتك وتغييبك اعتقال الناشطة الإنسانية الأخت آية خطيب من عرعرة وهي تحاكم اليوم بتهمة “تمويل الإرهاب”؟!
الشيخ رائد: في قضية الأخت آية ينطبق عليّ المثل القائل “اسأل مجرب ولا تسأل طبيب”، هذا الخطاب الوهمي من قبل المؤسسة الإسرائيلية ذقته على جلدي ولا زلت أعيش بشكل ملموس كيف تتفنن المؤسسة الإسرائيلية بصناعة الوهم وفبركة الملفات، المؤسسة التي سمحت لنفسها تجريم ثابت اسمه عبادة الرباط وسمحت لنفسها أن تعطي لنفسها الوصاية على القرآن الكريم والسنة، لا يستغرب عليها أن تختلق الأوهام لمطاردة الأخت آية وتمنعها من دورها الإنساني دعما للضعفاء، ولذلك نقول بلا تردد نحن مع هذا الدور الإنساني الرفيع الذي عاشت به آية خطيب ومثّلت كل حر وحرة فينا في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني.
مقبرة الإسعاف قضية كل الداخل الفلسطيني
– ماذا تقول لأهلنا في يافا والداخل في حراكهم المتواصل نصرة لمقبرة الإسعاف؟
الشيخ رائد: أقول لنفسي وللجميع إنه إذا تعاملنا مع مقبرة الإسعاف وكأنها قضية أهل يافا، فلنجلس في بيوتنا أفضل، ولكن المطلوب أن نتعامل مع قضية مقبرة الإسعاف على اعتبار انها قضية لكل مجتمعا تمس عصب ارتباطنا بأرضنا وتاريخنا وجذورنا وبرمزية مقدساتنا، هكذا يجب ان نتعامل معها وعلينا ان نكون بحالة استنفار باعتبارها قضية تخص كل واحد منّا في كافة بلداتنا العربية في الداخل الفلسطيني، يجب أن نتعامل معها بهذه الروح، وما هو مطلوب من نشاطات علينا ان نواصل أداءه بلا توقف.
– أكثر ما ستفتقده بعد دخولك السجن؟
الشيخ رائد: لا شك أن الأسير سيفتقد أمورا كثيرة مثل تواصله الدائم مع أهله وأسرته ومجتمعه، هذا التواصل بطبيعة الحال لن يكون في السجن كما كان في الخارج، كذلك تواصله مع انتمائه الإسلامي والعروبي والفلسطيني، ولكن العزاء أن الانسان لا يمكن ان يفقد تواصله مع الله وهو التواصل الأساس الذي يملأ القلب ويشرح الصدر.
نعم سندخل السجن ولكن سندخله ولسنا منزعجين ولا متأسفين على الطريق التي سرنا فيها، على العكس هكذا طريق سنجد فيها هكذا مواقف وتضحيات وأثمان ونحن بإذن الله رب العالمين لن نتردد في سيرنا في هذا الطريق إذا كانت هكذا هي الأثمان ومن ضمنها السجون، مع التأكيد كما أؤكد دائما نحن أمة لا نحب السجون أصلا ولكن لن تخيفنا إن وجدت كخيار إما السجن وإما التنازل عن الثوابت، لن نتنازل عن الثوابت ومرحبا بالسجون، هكذا هي طريقنا حتى نلقى الله تعالى.
النقب كريم عليّ
– رسالتك للأهل في النقب؟
الشيخ رائد: النقب هو حبيب كريم عليّ، وفيه الأهل وفيه النخوة وفيه الشهامة التي هي فخر لنا جميعا وتاج فوق رؤوسنا وأقول لأهلنا في النقب، الآن نحن بحاجة إلى أقوى وحدة موقف على صعيد النقب يجعل من قضية العراقيب على سبيل المثال قضية كل بلدة في النقب، ويجعل من كل قضية أخرى في رحاب النقب قضية كل بلدة في النقب. يجب أن يكون الجرح الواحد جرح الجميع، وبهذا الحال الذي يجب أن نرتقي إليه سيكون هناك النقب الواحد، وهم النقب الواحد، وموقف النقب الواحد، والاستعداد للصمود الواحد في النقب والدفاع عن الأرض والبيوت، والوقوف في وجه المصادرة وهدم البيوت وتدنيس المقدسات، ورش المزروعات بالمبيدات وما إلى ذلك، نحن بحاجة فورا ولا عذر لنا ولا بديل عن ذلك نحن بحاجة إلى هذا الموقف، نقب واحد، حاضر واحد مستقبل واحد يقوم على هذا الموقف الواحد.
إصدارات جديدة
– اعتدنا على إصدارك لمؤلفات جديدة في الاعتقال فما هو جديد الشيخ رائد صلاح خلال الحبس المنزلي؟
الشيخ رائد: الحمد لله الذي وفقّني لكتابة العديد من المؤلفات منها ما طبع ووزع ومنها ما هو قيد الطباعة أو قيد التوزيع، ومن بين هذه الإصدارات ما يلي: كتاب “قراءة سياسية في توراة اليوم”، وكتاب “إضاءات على تاريخ بيانات الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا”، وكتاب “إضاءات على تاريخ مراسلات الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا”، وكتاب “اضاءات على تاريخ وثائق الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا” وكتاب “اضاءات على التاريخ المصور للحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا”. كذلك وفقني الله بكتابة مؤلف بعنوان “صفحات من تاريخ أم الفحم المصور” وهذا الكتاب هو نموذج حملت فيه نصيحة لكل أهلنا في الداخل ان يستعجلوا لتوثيق كل بلدة في الداخل، وكان هذا الكتاب عن أم الفحم وهو تحت الطباعة. وبدأت بنظم ديوان من الشعر لم يكتمل بعد. كذلك هناك أفكار اطمع أن يعينني الله أن اكتب عنها في قابلات الأيام.
لأبناء المشروع الإسلامي:
ثوابتكم هي ثوابت الطهارة
– نصيحتك ورسالتك لأبناء المشروع الإسلامي؟
الشيخ رائد: ظلوا على يقين أن ثوابتكم هي ثوابت الطهارة والرقي والسؤدد التي تجمع بين مطلب الحرية وبين أصالة الانتماء لذلك ظلوا بدوركم كمصدر مناعة اجتماعية للحفاظ على هذه الثوابت بخطاب راشد واضح يجمع ولا يفرق بعيدا كل البعد عن لغة التجريح أو التخوين أو التكفير، ظلوا إلى جانب هذا الخطاب في تواصل دائم مع كل مكونات مجتمعنا في الداخل الفلسطيني على تعددياتها السياسية والدينية المختلفة، فنحن أبناء مشروع إسلامي نعم، ولكننا في نفس الوقت ننتمي إلى هذا المجتمع في الداخل الفلسطيني ويهمنا أمره كجزء مما يهم قضايانا في مسيرتنا وظلوا بإذن الله رب العالمين تحملون خطاب التفاؤل في هذا الظرف العصيب الذي يسهل فيه ترويج ثقافة الهزيمة أو يسهل فيه ترويج ثقافة الأسرلة أو ثقافة الإحباط، ظلوا بخطاب تفاؤل لأنه حصانة مطلوبة لنا كأفراد كبيوت كمجتمع كحاضر وكمستقبل، وفي نهاية الأمر نحن بحمد الله رب العالمين نسير كجزء من قدر التغيير الرباني، نحن على يقين أننا بقدر ما نغير ما بأنفسنا نغير ما بمجتمعنا، لذلك لنصدق مع أنفسنا حتى ننجح بتغيير ما بمجتمعنا.
وأختم بتلك الجملة التي يؤكدها الشيخ كمال خطيب في نهاية مقالاته دائما “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.