الأخبار الرئيســـيةقبسات إخباريةمحطات فكرية

مقالة: الفتنة أشدّ من القتل – بقلم: هدى جهاد عقاد

“يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتّبعوا عوراتهم فإنّهُ مَن تتبعَ عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف أهله” هذا قول رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلّم، قولٌ حقّ يخشاهُ من آمن ووجل قلبه لذكر الله ويتجاوزه الذين ابتلاهم الله بأمراض في القلب والنفس.
إنّ الأحقاد والضغائن المكبوتة تأكل كبد صاحبها أولًا قبل أن تلفظ الأذى والمقت في وجه الآخر. وإنّ الحقد إذا استمسك عُرى القلب أعمى البصر والبصيرة لذلك قد يصل بصاحبه إلى هاوية سحيقة من دناءة الفعل يعجب لها الرّجل السّوي.
ثُمّ يأتي الفرح بكل حادثة والتهليل والتطبيل لها ومضغها في الأفواه، سواء كان في حديث لتمضية الوقت او كان في تصريح إعلاميّ واثقٍ من نفسه. “الصّدقُ والأمانة” شعارات أصبحت في الغالب من المعجم القديم، لا تُستعمل بكثرة؛ الصدق في القول والفعل وفي البحث والتعبيرِ عن الحقّ، والأمانة في تأدية الرسالة ونقل المعلومة والفحص والتمحيص قبل نشرها. فإنّهُ “كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بِكل ما يسمع!” وكفى بنا تحذيرُ الله تعالى لنا: “يا أيُّها الّذين آمنوا إذا جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قَومًا بِجَهالة فَتُصبِحوا على ما فعلتم نادِمين”. فإن كان ما في فمك ليسَ الا خبرًا رخيصًا مما يصنعهُ أفرادٌ لإثارة الفتنة وقصد الأذى؛ فما لَكَ لا تقول خيرًا ولا تصمت؟!
ويقع الأذى على قلوب أسلمُ من أن تجعل الأذى احتمالًا، واعَفُّ من ان تشهد قبح الحاقدين، يقع الأذى على من اختاره الله ليُخالط النّاس ويصبر على أذاهم، يقع الأذى على المؤمنين الصابرين ليمتحن الله حمدهم ورضاهم. يحبهم بفضل منه ويبتليهم بحكمة في علمه فإنَّ عِظَمَ الجزاء من عظيم البلاء، وإنّ الرّاضي له الرِّضى.
وقد أوذي النبيّ وهو أشرف الخلقِ صلى الله عليه وسلم في أكرم الناس وأعزهم- زوجته عائشه؛ لما اتُهمت أبطل التهم في حادثة الإفك، فكان قوله لها: إن كُنتِ بريئة فسيبرئك الله. هكذا بلا غضب ولا اندفاع! مقولة الواثق من أمر الله وعدله. أما عدالة الارض فهي زائفة لا ضمان لها، لا تخلو من البغي والظلم والضغائن والمصالح الأرضية. وأما العدل فهو الله؛ تُرفع إليه المظالم، وعنده تجتمع الخصوم، سُبحانهُ هو الحكَمُ العدل.
هذا وإنّ التمسّك بالمبادئ والوقوف عليها له ثمن يُدفع، فإن كُنتَ مبدئيًّا صاحب كلمة واحدة أتاك مرضى القلوب يبغون عليكَ ليأخذوا ما ليس لهم، يهلهلون ويتعالون ويحسبون انهم قادرون على نيل كل مصلحة يريدونها لأنفسهم غير ملتفتين الى شيء، مُستعدّون استعدادًا تامًا لتدمير نفوسٍ وتحطيم كيانات حيّة. حينما تَعمي الانسانَ مصلحتُه يصبح حيوانًا بريًّا، حالَما يجوع يُزهِق الأرواح ويمتلِئ فمه بالدّم حتى يشبع! لأجل هذا يُسمّى حيوانًا ولأجله كذلك يُسمّى بريًّا.
اللهَ اللهَ في من ظَلم وتكَبّر وظَنّ أنه على كُلّ شيء قدير! اللهَ اللهَ في مَن نسيَ أن القدرة لله وحده يُعزّ من يشاء ويُذلّ من يشاء، يرفع من يشاء ويَمحقُ من يشاء حتى لا يعود موجودًا حتى.
اعلم أصلحك الله أنه “لم يتجبر أحدٌ قط إلا لنقصٍ يجده في نفسه، ولا تطاولَ متطاولٌ إلا لوهنٍ أحسَّ به في
قوّته.”

فإن كان لا بُدّ للانسان أن يعيش فليعِش حُرًّا، أمينًا على كلمته، صادقًا في نفسه، مرتاحًا مع ضميره؛ وإنّ هذا لَعمرك يُكلّف ثمنًا غاليًا. فلا أهونَ ولا أضمن للسلامة من أن تعيش جبانًا خائفًا على نفسِكَ ومنصبك ومكانكَ ولكنّ خليفة الله في أرضه لا يكون إلّا حُرًّا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى