كيف انفجرت أزمة البنوك في أميركا وهل شارفت على الانتهاء؟
تتجه أنظار القطاع المصرفي الأميركي والعالمي إلى ما سينتج عن اجتماع أعضاء بنك الاحتياط الفدرالي اليوم الأربعاء، خاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة.
وتشهد الأسواق المالية العالمية اضطرابات على خلفية المخاوف بشأن مستقبل القطاع المصرفي العالمي، بعد انهيار بنكي “وادي السيليكون” و”سيغنتشر” الأميركيين، واستحواذ بنك “يو بي إس” على منافسه الرئيسي “كريدي سويس” المتعثر في سويسرا.
تحاول الجزيرة نت من خلال سؤال وجواب أن تستكشف عمق أزمة البنوك الأميركية، وهل انتهت، وما أهم تأثيراتها؟
كيف نفهم ببساطة ما حدث مع بنك وادي السيليكون؟
خلال الفترة ما بين 2019 حتى بدايات عام 2022، كانت معدلات الفائدة منخفضة للغاية، حيث كان تتراوح ما بين 0% و0.50%. القاعدة هنا تقول: كلما انخفضت فائدة البنوك، كان هذا دليلا على قوة السوق وارتفاع معدلات الاستثمار في المشاريع التي تجلب أرباحا أكبر من فوائد البنوك.
وزادت الإيداعات في بنك وادي السيليكون، حيث صعدت من 60 مليار دولار عام 2019 إلى 189 مليار دولار عام 2022، إلا أنه ومع استمرار انخفاض سعر الفائدة، وضرورة تشغيل هذه السيولة الهائلة المودعة في البنك لتوليد أرباح بشكل أكبر من القروض البنكية أو تمويل المشاريع الناشئة؛ بحث البنك عن الاستثمار في مجالات أخرى تكون عالية الأمان ولديها عائد جيد مقارنة بسعر الفائدة المنخفض آنذاك.
استثمر البنك نحو 80 مليار دولار في أدوات السندات الحكومية، وهي تعد أدوات دين عالية الأمان بعائد يقدر بنحو 1.5% في المتوسط، بالطبع مع معدلات فائدة منخفضة للغاية تقترب من الصفر، فإن نسبة 1.5% ليست سيئة، المشكلة الكبرى فقط ستأتي إذا بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع.
بمعنى أوضح، بدأ الفرق يتسع ليتحول إلى أزمة في توفير السيولة الكافية من طرف البنك للمودعين، وزاد الطين بلة تراجع الكثير من مؤسسات الاستثمار الجريء عن ضخ تمويلات للشركات الناشئة، ومن ثم تراجع معدل إيداع الشركات لأموالها في البنك.
وفي النهاية لم يستطع البنك استيفاء متطلبات المودعين بتوفير أموالهم في ظل نقص السيولة المالية، وقرر البنك بيع سندات بقيمة 21 مليار دولار، متحملا خسارة قدرها نحو 1.8 مليار دولار في هذه العملية، فضلا عن إعلان نيته في إصدار المزيد من السندات بقيمة 2.25 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية.
وهكذا أصبح البنك لديه مشكلات سيولة حقيقية وحاول تأخير الوقت الذي يُعلن فيه عدم قدرته على رد أموال المودعين، وكانت هذه اللحظة تحديدا بداية موجة فزع من المتعاملين مع البنك.
ومع حالة الهلع التي انتابت الجميع، صدرت البيانات الصحفية لتصب المزيد من الزيت على النار، مع أخبار انهيار سهم البنك بنسبة تزيد على 70%، وأنه بدأ رحلة سقوط حر لا وقوف لها.
وبحلول 9 مارس/آذار، مع المزيد من الانهيار في قيمة السهم، انهالت طلبات آلاف المودعين بسحب ما قيمته 42 مليار دولار من الودائع في يوم واحد، وهو أمر يستحيل على أي بنك مهما كانت موارده المالية أن يلبيه، الأمر الذي عرضه لظاهرة “التزاحم المصرفي”، وهي الظاهرة الاقتصادية الشهيرة المرتبطة بفزع المودعين من قرب إفلاس البنوك وعدم قدرتها على رد الودائع.
ما الخطوط العريضة لإدارة بايدن لمواجهة انهيار البنوك؟
أعلنت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين ورئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول إجراءات استثنائية لوقف التداعيات المحتملة لانهيار بنك وادي السيليكون، بما في ذلك دعم المودعين.
من جهته، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بمحاسبة المسؤولين عن إفلاس البنك، وطمأن الأميركيين مؤكدا أن ودائعهم بأمان.
وقال بايدن، في بيان له، “عملنا على معالجة المشاكل التي يواجهها بنكا وادي السيليكون وسيغنِتشر، وتم التوصل إلى حل سريع يحمي الأميركيين”.
وتابع “أنا ملتزم بشدة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى ومواصلة جهودنا لتعزيز الرقابة والتنظيم للبنوك الكبرى حتى لا نجد أنفسنا في هذا الموقف مرة أخرى”.
وضخت الحكومة الأميركية، عن طريق زيادة في حجم الإقراض الطارئ للبنوك، مبلغ 318 مليار دولار في شكل قروض، الأسبوع الماضي، مقارنه بـ15 مليار دولار الأسبوع قبل الماضي.
وبعد تعهد الحكومة الأميركية بتأمين ودائع العملاء مهما كانت قيمتها، كانت هناك معارضة من فئة لا تتعدى 50 عضوا من مجلس النواب ضد أي ضمان فدرالي شامل للودائع المصرفية التي تزيد على الحد الحالي البالغ 250 ألف دولار.
ماذا عن أموال المودعين غير المُؤَمنة؟
تضمن الحكومة الفدرالية من خلال المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع “إف دي آي سي” (FDIC) الودائع التي لا تزيد قيمتها على 250 ألف دولار.
وبوصفه بنكًا يقدم خدماته للشركات في المقام الأول، فإن ما يقرب من 97% من ودائع بنك وادي السليكون البالغة 200 مليار دولار كانت غير مؤَمن عليها، لأن قيمة كل منها تزيد على 250 ألف دولار، وهي تتبع شركات بالأساس.
إلا أن الحكومة الأميركية تعهدت برد كل الودائع بعد استحواذها على البنك، وتأسيس “بنك سيليكون فالي بريدغ” بديلا له.
لا يبدو ذلك في الأفق حتى الآن، صحيح أن الأسواق العالمية اضطربت، لكن لم تحدث موجة انهيارات دولية باستثناء مصرف “كريدي سويس” السويسري لأسباب لا تتعلق بالأزمة في الولايات المتحدة.
وأعلن بنك الاحتياطي الفدرالي عن بدء تنسيق يومي مع عدد من البنوك المركزية الكبرى في بريطانيا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية والهند وفرنسا، كي يتم توفير السيولة لها عند الحاجة.
هل يراجع بنك الاحتياطي الفدرالي سياسته النقدية برفع أسعار الفائدة بعد تأثر البنوك بها؟
يتوقع الخبراء أن الاحتياطي الفدرالي سيمضي قدما في رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس (ربع بالمئة)، على الرغم من الاضطرابات التي تضرب القطاع المصرفي الأميركي والعالمي.
ويعطي بنك الاحتياطي الفدرالي الأولوية للحفاظ على المصداقية في حربه ضد التضخم، ويهدف رفع سعر الفائدة إلى تهدئة الاقتصاد بصفة عامة، وعليه تخفض نسب الزيادة في الأسعار، ورفع البنك بالفعل أسعار الفائدة 8 مرات منذ بداية 2012 لتبلغ حاليا 4.75% بعدما كانت 0% لسنوات طويلة.
هل يمكن أن تنهار بنوك أخرى؟
سبق إفلاس بنك وادي السيليكون، وهو أكبر انهيار لمصرف أميركي منذ عام 2008، تصفية بنك “سيلفرغيت”، المصرف المفضل لدى مجتمع العملات المشفرة، كما أجبرت السلطات الأميركية بنك “سيغنتشر”، الذي يأتي في المرتبة 21 من حيث الحجم، على الإغلاق.
ومن ناحية أخرى، ضخت مجموعة من 11 بنكا أميركيا بقيادة بنكي “جيه بي مورغان” و”سيتي غروب”، 30 مليار دولار في بنك “فيرست ريبابليك” المتعثر، بعد أن واجه خطر الانهيار المصرفي، وهو ما أدى لانتعاش الأسواق المالية، كما دفعت الأسهم في بنك “فيرست ريبابليك” إلى تسجيل ارتفاع تجاوز 50% في تعاملات يوم الثلاثاء 21 مارس/آذار.
نعم فقد فتحت وزارة العدل تحقيقا في قضية إفلاس بنك وادي السيليكون لتحقق في مزاعم بيع قادة البنك أسهمهم قبل انهياره مباشرة.
وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية التي تشرف على الأسواق المالية، قد بدأت بالفعل التحقيق.
هل سيتخذ الكونغرس أي إجراءات تنظيمية لتجنب وقوع أزمات مالية ضخمة؟
نعم، فقد أكد رئيس لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ السيناتور شيرود براون أنه يتعين على الكونغرس سن قواعد تنظيمية مالية جديدة بعد انهيار بنك وادي السيليكون.
وأوضح براون أن هذه القواعد ستعزز اختبارات التحمل، ومعايير رأس المال، والسيولة لدى البنوك. لكنه أشار إلى أن احتمالات اتخاذ مثل تلك الخطوة ما زالت ضعيفة.
كيف تأثرت أسعار الأسهم بهذه التطورات الأخيرة؟
بصفة عامة خسرت الأسهم الأميركية مليارات الدولارات خلال الأسبوعين الأخيرين، وانخفض مؤشر داو جونز بنسبة تقترب من 5%، وكان لأسهم قطاع المصارف نصيب الأسد من هذه الخسائر، في حين تأرجح مؤشر ناسداك الذي تغلب عليه شركات التكنولوجيا صعودا وهبوطا، إلا أنه لم يعانِ من خسائر إجمالية منذ بداية هذا الشهر.