د. حنا سويد: الهدم في قلنسوة من نوع “تدفيع الثمن” والتعامل مع رهائن لتعويض مستوطني عمونه نفسياً !
باعتقادي، هناك تداخل ما بين السياسي والمهني – التخطيطي في موضوع هدم البيوت في قلنسوة. وأرى أنّ حجم عملية الهدم التي اقترفت في قلنسوة له مسبّبات ودوافع سياسية في الأساس تكاد تكون بعيدة عن عملية التخطيط ، والتخطيط هو فقط غطاء”.
هذا ما قاله :هسا ، أمس عضو الكنيست السابق الدكتور حنا سويد رئيس المركز العربي للتخطيط البديل، في بداية اللقاء معه حول عملية هدم 11 منزلاً في قلنسوة صباح يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع، وأضاف:”عملية الهدم هي من نوع ما يسمى”تدفيع الثمن” (תג מחיר) ومن نوع التعامل مع رهائن، والمحرك الأساسي لاقتراف جريمة الهدم هذه هو، أولاً إعطاء تعويض نفسي وأكاد أقول بهيمي لمستوطني”عمونه” واليمين الإسرائيلي بشكل عام وهي أيضاً بمثابة فشّة خلق في أعقاب حادث الدهس في القدس وأيضاً محاولة للتغطية وإشغال الرأي العام عما يدور حول رئيس الحكومة من شبهات وتحقيقات”.
وحول اختيار هذا الموقع من مدينة قلنسوة بالذات قال د. سويد:”اختيار هذه المنطقة، التي تقع فيها البيوت التي تمّ هدمها ، غير موفق حتى حسب الذهنية التي تحدثت عنها، فهي في طريقها الى أن تدخل في منطقة التنظيم في قلنسوة، وعلى أراض خاصة. والحديث ليس عن بيت أو بيتين بمنأى عن باقي البيوت وإنما الحديث عن حارة مكتظة بالمباني والبيوت القائمة منذ عشرين سنة على الأقل وتمّ مؤخراً إدخالها في منطقة التطوير المدني التي تضم مدينة قلنسوة، وهناك اعتبارات تخطيطية أخرى تكاد تشهد وتؤكد بأنها ستكون ضمن منطقة التنظيم في قلنسوة بالمستقبل القريب، بمعنى أن هناك حلولاً تخطيطية لهذه البيوت وعملية الهدم ليست ضرورية أبداً حتى من وجهة النظر التخطيطية المهنية.
هسا : ومع ذلك ألا يجدر بهذه العملية أن تغيّر سلّم أولويات السلطات المحلية العربية بكل ما يتعلق بمشاكل البناء والمسكن؟
د. سويد: رغم كل القناعة بأن عملية الهدم وقفت وراءها دوافع ومسوّغات سياسية بحتة إلا أنها تفتح موضوع البناء غير المرخّص في البلدات العربية وباعتقادي يجب أن نقسّم المسؤوليات. فبما أن المسوّغات والدوافع سياسية فإن دور التخطيط والسلطات المحلية، رغم أهميته، وأنا لا أقلّل من أهميته بالتعامل مع هذه القضية، إلا أنه يجب أن لا نحمله أكثر مما يحتمل. والرسالة للمجتمع العربي أن القناعة وشبه الإيمان اللذين كانا لغاية الآن يأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لن تصل الى درجة من الجنون بأن تبدأ بتنفيذ عمليات الهدم يميناً ويساراً وبشكل واسع،فما حصل في قلنسوة يشهد ويقول بأن الأمر ليس كذلك، بل يقول إن هناك حكومات يمينية حاضرة وربما مستقبلية قد يصل بها الجنون بأن تباشر بشكل منهجي بتنفيذ مئات وربما آلاف أوامر الهدم في البلدات العربية، وهذا طبعاً يوجب أمرين:الأول هو أن نعمل كل ما بوسعنا حتى نحمي المخزون الكبير من البيوت العربية القائمة بواسطة التخطيط والضغط السياسي وأن نضع قضية التخطيط والترخيص على رأس سلم الأولويات وأن تكون الشغل الشاغل لأعضاء الكنيست والسلطات المحلية والأحزاب السياسية. والثاني، أن ينتبه المواطن العربي بأن عمليات الهدم لم تعد عمليات استثنائية بل قد تكون على رأس سلم أولويات الحكومة القائمة والحكومات المستقبلية. لذلك يجب توخي الحذر في هذا الموضوع ويجب أن يكون هناك تعاون بين كل المركبات التي ذكرتها وبين المواطنين على تنظيم موضوع البناء كي لا يكون نقطة ضعف ووهن في المجتمع العربي يمكن اختراقه وإذاؤه من خلالها وإنما كي تكون نقطة قوة، بمعنى أن يكون هناك حضور وتطوير عمراني محترم يثبت بقاءنا ووجودنا في أرضنا”.
هسا :وعلى صعيد التصدي الشعبي هل كان الإضراب مجدياً وهل أوصل الرسالة الصحيحة للمؤسسات ذات الصلة وللمجتمع اليهودي؟
د. سويد: باعتقادي الإضراب الذي قررته لجنة المتابعة كان صحيحاً فهو رد فعل طبيعي وعادل على عملية الهدم. فلا يجوز أن نرسل رسالة بأن يعيش المجتمع العربي حياته بشكل طبيعي إزاء عمليات هدم بيوته وبالجملة. وقد تكون نقطة الضعف ليس في الإضراب نفسه بل في ما يدور حول الإضراب والإعلام وإحالة القضية الى منابر الكنيست وأن تكون هي بالذات القضية الرئيسية وليس قضايا ثانوية وقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع. أقول بأن الإضراب هو رد فعل من نوع الفعل، رد فعل على عمل يقصد به بأن يشوش حياتنا في المجتمع العربي، وهو تضامن من المجتمع العربي مع العائلات التي فقدت مأواها ومسكنها ومع الطلاب الذين حرموا من مدرستهم ومع العائلات التي اضطرت الى أن تعيش في ظروف غير طبيعية وما زالت تعيشها بعد هدم بيوتها. ولكن إذا كنت تسأل إن كان هذا رد الفعل الوحيد الممكن فالجواب هو كلا. ورد الفعل الطبيعي والمنهجي هو وضع قضية التنظيم والبناء والحق بالبناء على رأس سلم الأولويات والعمل الجيد فيها بالشكل المستمر والمتواصل وليس فقط في أعقاب حادث هدم إجرامي من هذا النوع وإنما أن تبقى هذه القضية على الطاولة وأن تتم متابعتها بشكل حثيث ومتواصل.
هسا : الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي غطى حادث الهدم بشكل عرضي وذيّل فيه نشرات الأخبار وسط التشديد على أن عملية الهدم كانت لأبنية بُنيت بخلاف القانون، بخلاف التغطية المكثفة لكل ما يتعلق بمستوطنة عمونه المبنية على أراض فلسطينية مسلوبة!
د. سويد: هذا يؤكد أن التعامل مع هذه القضية يجب أن يكون بشكل منهجي وواعٍ. ففي هذه البلاد لا يمكن أن تقوم بنشاط هام وله مغزى بدون أن يكون هناك تغطية إعلامية. ربما أن على لجنة المتابعة عندما تعلن الإضراب، أن تهتم بإيصال هذه الرسالة الى المجتمع اليهودي والى وسائل الإعلام العبرية. فنحن نعرف أن في كثير من الحالات مثل تصريح لعضو كنيست يصل الى وسائل الإعلام لأنه بذل الجهد اللازم لذلك، فكم بالحري بالنسبة لقضية من هذا النوع. وهناك طبعاً طرق مهنية لكيفية إيصال مثل هذه الأمور الى وسائل الإعلام العبرية، ويجب بذل مثل هذا المجهود حتى تصل الرسائل الى وسائل الإعلام العبرية وتبث من قبلها حتى يطلع عليها المجتمع الإسرائيلي بشكل عام وكي يعرف أنها ليست مجرّد مخالفة للقانون وإنما هي بشأن قضية حياتية ومجتمعية ومعيشية هامة جداً للمواطن العربي في هذه البلاد. وبالنسبة لمستوطني عمونه فإنهم يستعينون بمكاتب استشارة وإعلام يهتم بإيصال الرسائل والدعوات للمراسلين، وعلى ما يبدو إننا بحاجة الى وسائل مهنية وعملية وعلمية لإيصال الخبر والرسالة للأماكن الصحيحة.