هل عجزت الحكومة التركية عن وقف نزيف “الليرة”؟
واصل سعر صرف الليرة التركية، الهبوط إلى مستويات قياسية جديدة منخفضة، وتخطى سعر صرف العملة التركية، اليوم الخميس، حاجز الخمس ليرات للدولار الواحد، مسجلا 5.0604 في نهاية التعاملات.
وفقدت العملة التركية خُمس قيمتها هذا العام بفعل زيادة التضخم، والمخاوف المتعلقة باستقلالية البنك المركزي في مواجهة مطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخفض أسعار الفائدة، إلى جانب عوامل جيوسياسية على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
وأكد وزير الخزانة والمالية التركي، براءت ألبيرق، أن المحاولات الرامية لخلق جو سلبي في الأسواق التركية، من خلال إطلاق شائعات على خلفية القرار الأمريكي بفرض عقوبات على وزيرين تركيين، ستبوء بالفشل.
وقلل الوزير التركي من تأثير القرار الأمريكي على الاقتصاد، قائلا إنه “في حال إصرار الولايات المتحدة على الخطأ المتعلق بفرض عقوبات على وزيرين تركيين، فإن تأثيره سيكون محدودا على تركيا واقتصادها”
وأوضح ألبيرق، أن وزارة الخزانة والمالية بدأت العمل مؤخرا في إطار خطط شاملة، من أجل انضباط الميزانية، ومكافحة التضخم، وتحقيق نمو مستدام على أرضية سليمة، في ضوء معطيات الاقتصاد الكلي الراهنة.
وجاءت تصريحات الوزير التركي، على خلفية انخفاض قياسي جديد لسعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزير العدل عبد الحميد جول، ووزير الداخلية سليمان صويلو بسبب سجن القس الأمريكي أندرو برانسون المتهم بدعم المحاولة الانقلابية في تركيا العام 2016.
وخالف سعر صرف الليرة التركية، حالة التفاؤل بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات التركية التي جرت في 24 يونيو/ حزيران الماضي، وتوقعات بتحسن سعر صرف العملة التركية مع بدء تطبيق النظام الرئاسي الجديد، وسط تساؤلات عن أسباب عدم استقرار سعر صرف العملة التركية، وتأثيره على الأسواق بصفة خاصة، والاقتصاد التركي بصفة عامة، ومدى استمرار ذلك، وقدرة النظام الجديد على وقف نزيف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد مصبح أن بطء الإجراءات الحكومية المتوقعة لمعالجة تقلبات سعر صرف العملة التركية، منذ تشكيل أول حكومة في النظام الرئاسي الجديد وحتى الآن، أعطى شعورا لدى المواطن التركي، والمستثمرين بعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة للحكومة.
وقال في تصريحات لـ “عربي21”: “بعيدا عن الأبعاد السياسية الخاصة بالعقوبات الأمريكية ضد تركيا، فإن الشعور بعدم الثقة دفع العديد من المواطنين إلى الاتجاه نحو “الدولرة” (تحويل العملة الوطنية إلى الدولار) لحماية مدخراتهم من التآكل بسبب تراجع قيمة الليرة التركية”.
وتابع: “الطلب الداخلي في تركيا على الدولار بلغ 2.44 مليار دولار خلال أسبوع انهيار الليرة، نتيجة توجه المواطنين والشركات المقيمة في تركيا إلى شراء الدولار بشكل غير مسبوق، بسبب حالة عدم الثقة السائدة”.
وأوضح مصبح أن تقرير البنك المركزي التركي المتعلق بتوقعات ارتفاع معدلات التضخم، عزز من الصورة السلبية التي تشكلت في سوق صرف العملات تجاه الغموض الذي يكتنف تذبذب الليرة التركية المائل للهبوط.
وأضاف: “واقعية تقرير البنك المركزي التركي، عكست احتمالين، الأول عدم توصل الرئاسة التركية والبنك المركزي إلى صيغة توافقية بشأن السياسة النقدية في البلاد، والاحتمال الثاني، معرفة صناع القرار الاقتصادي التركي أن المؤشرات الاقتصادية بحاجة إلى وقت حتى تظهر أثر الاصلاحات عليها؛ وكلا الاحتمالين سيشكلان عبئا على المواطن والحكومة”.
وأكد الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ “عربي21” أن هبوط الليرة التركية لتلك المستويات القياسية، يؤثر بلا شك على الاقتصاد التركي، ويمس حياة المواطن اليومية ومستوى معيشته، لافتا إلى أن “المشكلة الأكبر هي تزايد حجم الشعور لدى المواطنين بأن هناك أزمة حقيقية وأن الحكومة تقف عاجزة أمام إيجاد أي حلول لمعالجتها”.
وأضاف: “النظام الرئاسي الجديد، وعلى الرغم من بطء الاجراءات المتعلقة بالملف الاقتصادي، لا نستطيع أن نحكم عليه بعد شهر واحد فقط، إضافة إلى أن استمرار التوترات الدبلوماسية التركية على الصعيد الدولي مع أمريكا وأوروبا، وسياسة تركيا تجاه القضية الفلسطينية وموقفها من إسرائيل، يجعل من الرئيس التركي هدفا لتلك الجهات، ويساهم في خلق مناخ اقتصادي غير مستقر.
وأوضح أن معظم دول الاتحاد الأوروبي ترى أنه من مصلحة بلدانهم زعزعة الاقتصاد التركي؛ وذلك لمعرفتهم بحجم الدور الذي يلعبه الاقتصاد في رفع رصيد تركيا بشكل عام والرئيس أردوغان بشكل خاص داخليا وخارجيا.
ودعا مصبح إلى ضرورة قيام الحكومة التركية بالإعلان عن برنامج اقتصادي واضح ومفصل للمرحلة القادمة، وتقليل الفجوة في وجهات النظر بين أصحاب القرار في الساحة التركية، إلى جانب العمل على التخفيف من حدة التوترات الخارجية بما يتلاءم مع طبيعة هذه المرحلة الحرجة.