الأخبار الرئيسيةمحطات فكرية

مقالة الشيخ محمود عارف وتد: “يا دعاة الإسلام”

الشيخ محمود وتد- عضو حركة الدعوة والإصلاح

أنتم يوسف هذه الأمة في زمن سنونه عجاف، ضعف فيه الإيمان، وتصدّعت فيه معاني الأخوّة، وتراجعت فيه المبادئ والقيم، وتنازعت فيه الأمة حول سراب.

أنتم يوسف هذه الأمة، أنتم من يحملون قميص النور ليُلقى على وجوه العميان فيعود إليهم البصر، وعلى قلوب العُمي فتدب فيها الحياة وتتوقد فيها البصيرة.

فكما استحكمت السنون العجاف بمجتمعاتكم، أمواج إلحاد وشذوذ وأعاصير غفلة وفتن وطعنات شيطان ودنيا، والناس ضائعون، منهم ضالون، ومنهم حيارى، أو قل سكارى وما هم بسكارى ولكنها الدنيا وقوة سمها الزعاف، حتى جف نبع الطمأنينة وانطفأت القناديل في دروب كثيرة، فكان لا بد لصوت الحق أن يصدح ولقميص الدعوة، قميص الإيمان ليعود البصر إلى العيون، عيون أعمتها الغفلة والطمع والمادية والكبر.

الدعوة مسؤولية لا مكانة

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]

إن الدعوة ليست ترفًا فكريًّا ولا تزيُّنًا بالمواعظ، بل هي أشرف الأقوال وأعظم الأعمال. إنها ميراث النبوة، الذي لا يليق إلا بمن طهّر نيته، وأخلص قصده، وربط قلبه بالله وحده.

فيا دعاة الإسلام، ها قد أبصرتم ما نحن فيه من ضيق وغفلة وتكالب الأمم علينا، فإن فلم تكونوا أنتم الرواحل فمن يكون؟ دوركم عظيم والخطب جلل.

يا رجال العلم يا ملح البلد
من يصلح الملح إذا الملح فسد

إذا تخلى الداعية عن دعوته، والأب عن أسرته، والمعلم عن طلابه ومدرسته، ولم يرعَ الراعي رعيته، فمن يصلح بيوتنا ويرشد شبابنا ويعلم جاهلنا ويأخذ بيد كبيرنا ويرحم صغيرنا؟

كن كيوسف في رحمته

تأمّل حال يوسف عليه السلام بعد السنين العجاف، وبعد الألم والابتلاءات والغربة والسجن، لم يُقابل إخوته باللوم والتقريع، بل قال لهم:
﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]

هذه هي أخلاق الداعية، لا يفضح الناس، بل يسترهم، لا يوبّخ التائه، بل يأخذ بيده، لا يُقصي العاصي، بل يفتح له أبواب الرجاء.

والرسول ﷺ قدوتنا

كان رسول الله ﷺ إذا بعث داعيةً أو خطيبًا أو معلمًا، أوصاه باللين والرحمة، كما أوصى معاذًا وأبا موسى الأشعري: “يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا”، كان ﷺ إذا رأى رجلًا يخطئ في صلاته لم يصرخ فيه، بل قال: “صلّ فإنك لم تصلِّ” وعلّمه بلطف.

وهكذا ينبغي أن تكون دعوتنا اليوم: مملوءة بالحكمة، مغموسة بالرحمة.

قميص الدعوة… ما هو؟

قميص يوسف ليس مجرد قطعة قماش، بل هو رمز للرجاء الذي لا يموت، رمز للعودة بعد الغربة، رمز للنور بعد العمى.

فالدعوة قميص من الحُب، من الحكمة، من الصبر، من الإيمان بأن الله يهدي من يشاء، متى يشاء، وكيف يشاء. إن العيون العمياء قد تبصر فجأة حين يُلقى عليها “قميص الرحمة”، لا حين تُصفع بالحجج أو تُجلد بالمواعظ الجافة.

فيا أيها الدعاة… ابعثوا القمصان. اجعلوا من كلماتكم نسائم حياة، ومن مواقفكم جسورًا واصلة، لا جدرانًا فاصلة. كونوا قريبين من الناس كما كان الحبيب ﷺ، يفهم ضعفهم، ويحنو على عجزهم، ويصبر على أذاهم.

وختامًا.. إن الدعوة إلى الله اليوم تحتاج إلى قلوب رقيقة وعقول ناضجة وألسنة صادقة.

تحتاج إلى دعاة يُحيون السنة في رحمتها وروحها وحكمتها، يُحيون الدين في روحه، لا في قشره.

يا دعاة الإسلام، ها هي شجرة الإسلام ضاربة في الأعماق،أصلها ثابت وفرعها في السماء، فاحفظوها وارعوها حق رعايتها وادعوا الناس ليستظلوا بظلالها ويشربوا من نبعها الصافي، فنحفظ على الناس دينهم وهويتهم ودنياهم وآخرتهم.

تاقت إليكم سنون عجاف… وأنتم يوسفها.
فهلّا رميتم على العميان قمصانًا؟

ابدأ اليوم، ولا تقل: مَن أنا؟ فربَّ كلمة تُنقذ قلبًا، وربّ دعوة تُقيم أمة. والله يتولى الهداية… ولكنّه سبحانه يحب أن يرى من عبده المحاولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى