الطلاق في المجتمع العربي: ارتفاع مطرد في حالات الطلاق ومعطيات مقلقة في عام 2018
تُشكل نسبة ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، مؤشرا مقلقا وتهديدا مباشرا للبناء الأسري في المجتمع، ما يقتضي النظر بعين فاحصة في هذه المشكلة، والبحث عن أسبابها، ووضع الحلول المناسبة لها.
فقد أظهر تقرير المحاكم الشرعية في البلاد، حول قضايا الأحوال الشخصية وملفات الزواج والطلاق، أن حالات الطلاق في المجتمع العربي، شهدت ارتفاعا مقلقا، إذ سجلت المحاكم الشرعية 3,541 حالة طلاق، أما حالات الزواج وعقد القران فبلغت 8,850 حالة في العام الماضي 2018. هذا عدا أن هذه المعطيات لا تشمل حالات غير موثقة والمقصود هنا عن حالات الزواج التي تتم بعقد زواج شرعي، وفق التقرير.
ويعزو الكثير من المختصين والباحثين بالشريعة والأحوال الشخصية والإصلاح والوساطة، أسباب وظروف ودوافع الطلاق في مختلف المناطق والبلدات، إلى تخلي المجتمع عن قيمه ومبادئه ودينه والتأثر من البيئة المجتمعية والعالم الافتراضي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعدم الوعي والإدراك لثقافة الحياة الزوجية، والفهم الخاطئ للحقوق والواجبات، وتراجُع دور الأسرة في البناء المجتمعي، والمفهوم الخاطئ للحريات والجهل بأحكام الشرع والدين.
عملية تغريب تمر على مجتمعنا
رئيس المحكمة الشرعية في سخنين، القاضي هاشم سواعد أكد في حديث لـ “المدينة” أن هذه المعطيات الصادرة عن محكمة سخنين الشرعية تدل على أن معدل ونسب حالات الطلاق ترتفع طرديا مع مرور الوقت خلال السنوات الاخيرة. كما وتشير هذه المعطيات إلى مرحلة/ عملية تغريب تمر على مجتمعنا، نتخلى من خلالها عن ديننا، عاداتنا، أعرافنا، وحضارتنا لنتبنى نمط حياة غربي علماني متغول، لا يناسبنا ولا يتفق مع خصوصيتنا، لأنه نموذج لا يعير الأسرة ككيان اجتماعي اساسي أدنى أهمية. علاوة على أنه يعيش بموجب منظومة أخلاق تختلف كليا عن المنظومة الاخلاقية خاصتنا.
ويرى القاضي سواعد أن الحل هو “إنشاء جمعيات تعنى بتنظيم محاضرات، ندوات، ونشرات تقاوم عملية التغريب التي تمارس علينا، لإعادة احياء ثقتنا بأنفسنا بتعاليم ديننا وبحضارتنا. خصوصا بوجود جهات/ منظمات تعمل ليلا ونهارا وتنفق طائل الأموال لفعل العكس!!”.
تعددت الأسباب والطلاق واحد
ويقول المحامي رامح عواد، الذي يتابع الكثير من قضايا الأحوال الشخصية في المحاكم، إن “حالات الطلاق تزيد ولا تقل مع مرور الوقت والسنين، وإن كان هناك رسم بياني لنسبة الطلاق في السنوات الأخيرة سنراه يرتفع ولا ينخفض. ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة ومتعددة وعلى سبيل المثال لا الحصر”، كما يُبين، “فترة ما قبل الزواج وهي عدم حسن الاختيار، البعد عن الدين والمقصود عدم معرفة الحقوق والواجبات الشرعية، تدخل الأهل من كلا الطرفين في حياة الأزواج الخاصة، انعدام المودة والرحمة والغلظة في التعامل والكلام بين الزوجين، عدم التسامح والعفو في الحالات التي تحتمل التسامح، عمل الزوجين بدون ضوابط، سواء أوقات العمل (عودة الزوج يومياً بأوقات متأخرة) وسواء بيئة العمل للزوجين، والاختلاط دون ضوابط ، إلى جانب العنف وشرب المسكرات وعدم احترام أهل الزوج أو الزوجة، وقلة الصبر وقلة الحكمة في التصرف، والتوسع في الكماليات دون وجود قدرة مالية على ذلك والوقوع في الديون”.
ورفض عواد التعميم حول اتهام المحامين بأن همهم الوحيد في تعاطيهم مع قضايا الأحوال الشخصية الجانب المادي أكثر من اهتمامهم بإيجاد حلول للمشاكل الزوجية قبل أن تصل إلى مرحلة الطلاق قائلاً: “لا أعتقد أن كل محامي يهمه الجانب المادي، وفي الوقت نفسه لا أنكر وجود مثل هذه الحالات لكنها حالات قليلة وليس من الإنصاف أن تعمم على جميع المحاميين”.
الطلاق الحل الأخير وليس الأول
وفي ردّه على سؤال لـ “المدينة” حول إمكانية الوصول إلى حلول قبل مرحلة الطلاق، قال المحامي رامح عواد: “في العادة تأتينا حالات ومشاكل، بعد أن قطعت شوطاً في الحلول الأهلية وتدخل الأقرباء، والوعودات والتعهدات غير المطبقة. والشيء الذي لا يدع مجالا أمام المحامي إلا الاستجابة إلى مطلب موكله وتقديم الدعاوي المناسبة لتحصيل الحقوق. وقليلة هي الملفات التي تحتوي على أسباب تافهة للطلاق، حينها ننصح بعدم تقديم أي دعوى وننصح الزوج أو الزوجة بإيجاد حلول بديلة لأن الطلاق هو الحل الأخير وليس الأول”.
وتابع حديثه في هذا السياق: “في بلادنا خاصة لا يستطيع أي زوج تقديم دعوى طلاق، وإنما يقوم بتقديم دعوى تحكيم، حيث يمر الزوجان بعدة محطات قبل الوصول إلى الطلاق”. ففي الجلسة الأولى، يُبين عواد، “يحاول القاضي عرض الصلح على الطرفين، فإن رفضا ذلك، يستطيع تعيين مصلحين، فان فشل المصلحان في مهمتهم يقوم القاضي بتعيين محكمين، وظيفتهم الأولى الإصلاح بين الزوجين، وقبل الحكم بالتفريق عادة ما تكون جلسة أمام القاضي للمحاولة الأخيرة قبل التفريق، وخلال هذه المحطات نحاول كمحامين تقليص الفجوات، واحياناً كثيرة نعمل على تجميد باقي الملفات العالقة لفتح مجال للصلح، ولكن الشخص الوحيد صاحب القرار هو الزوج أو الزوجة”.
الطلاق هو من الأمور الشخصية كالزواج تماماً، نحن ننصح ولكن النصح في طبيعة الحال محدود لأن علينا احترام الأمور الشخصية التي اختارها موكلنا لنفسه. يضيف عواد: “وظيفة المحامي تكون في تمثيل إرادة موكله وتحصيل حقوقه أمام المحاكم والدوائر الرسمية، وأغرب سؤال يصادفني، وللأسف يكون في غالبية الملفات، “شو رأيك أستاذ؟ أطلق؟ ….” كثيرة هي الحالات التي امتنع فيها عن الجواب (إلا في الحالات التافهة، وفي هذه الحالات لا أقبل متابعة الملف) وأقول للسائل إن هذه هي أمورك الشخصية، وأنت الذي ستكون مع زوجك عندما يقفل الباب عليكما وأنت أدرى بأمورك وبزوجك”.
وحول دور المحامي بإيجاد الحلول، فيقول المحامي رامح عواد: “دوره كبير سواء أمام القاضي أو أمام زميله المحامي، وتقريباً غالبية الملفات يكون القرار فيها مبنياً على اتفاق المحامين والأطراف، لأن القرار المبني على اتفاق الطرفين يكون وقعه هين ولا يشعر أحد بعدم الرضى عن القرار لأنه كان صاحب رأي في إخراجه حيز التنفيذ. وفي الطلاق هناك حالات عديدة يصل فيها الطرفان الى حل سلمي وتوافقي وهو الطلاق بالتراضي”.
ويرى أن “الطلاق مع صعوبته وتأثيره على نفسية وظروف الأولاد إلا أنه حل وعلاج لذلك الزواج المريض الذي لا يحتوي على أي ركن من أركان الزواج، فالطلاق مشروع لحل مثل تلك الحالات التي انعدمت فيها الحياة الزوجية”.
الطلاق ليس طريق بلا رجعة
وفي مقابل ذلك، يشير عواد إلى وجود حالات كثيرة، يصطلح فيها الزوجان ويعودان الى بيت الزوجية ويستأنفان الحياة الزوجية من جديد. وكما ذكرت، فإن الزوجين يمران بعدة محطات ومحاولات صلح، وكثيرة هي الملفات التي حصل فيها الصلح، وتقديم الدعوى لا يعني أن الزوجين قد تطلقا، أحياناً تستمر القضايا أكثر من سنة وتحصل الرجعة”.
ويختم المحامي رامح عواد من الناصرة حديثه لـ “المدينة” بنصيحة للأزواج قبل وصول مشاكلهم الى المحاكم الشرعية بالقول: “أنصحهم بالصبر والتسامح والتماس العذر للأخر، والعفو عند المقدرة وعدم نكران الجميل وعدم نسيان الأمور الإيجابية. إلى جانب ذلك أنصحهم أيضا بعدم افشاء أسرار بيت الزوجية ومحاولة تدخل أهل الصلح دون نشر الفضيحة والإساءة للآخر، لأن هذا الزوج، حتى لو افترقا، يكون الأب أو الأم وقد كانت بينهم أيام وعشرة ونسب”.
تراكمات ما قبل الطلاق
العاملة الاجتماعية في مركز التواصل في الطيبة، رميصاء جمال محاميد، تعزو هي أيضا أسباب الطلاق، وفق الحالات التي تعالجها، إلى أسباب تتشابه مع التي ذكرت في هذا التقرير إلا أنها تضيف أن هناك أسباب أخرى لا بد من ذكرها وهي: “الخيانات الزوجية، وتعدد الزوجات وعدم التوافق بين الزوجين من عدة جوانب مثل التربية، البيئة، العمل والثقافة، إلى جانب عدم الاتفاق مسبقا على مبادئ مشتركة في الزواج، وتعاود التأكيد على أن التأثيرات الخارجية، مثل تدخلات من قبل الأهل من طرف الزوج أو الزوجة أو الاثنين معا هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى حالات الطلاق”، وفق أقوالها.
وفي حديثها لـ “المدينة” تقول محاميد “في معظم الحالات لا نرى أن أسباب الطلاق مقنعة وأنه كان بالإمكان تدارك المشاكل وحلها والاستمرار بالحياة الزوجية”، وتضيف: “المشكلة أن الزوجين يصلان للطلاق بعد تراكمات لم يتم حلها سابقا، فيكون السبب للطلاق ليس مقنعا، ولكن بسبب التراكمات يكون من الصعب على الأطراف طلب المساعدة أو تقبل الرأي الآخر ويمسك كل طرف برأيه”.
وتضيف: “في نظام الزواج في مجتمعنا تكمن العديد من العلاقات، العلاقة الزوجية، العلاقة العائلية، العلاقة مع الأقارب والجيران، وينظر كل زوج من الزوجين لهذه العلاقات بنظرة مختلفة عن الآخر بحكم التربية والثقافة الخاصة في البيت الذي نشأ به، لذلك يتوقع كل طرف من الآخر أن يفكر بالطريقة نفسها، إضافة للاختلاف الكبير بين طرق تفكير الرجل وطرق تفكير المرأة، فإذا لم يكن الطرفان على قدر واع بماذا تعني الحياة المشتركة وأنه يجب على كل طرف من الأطراف تفهم الآخر والتنازل للآخر، فلن يستمر الزواج واذا استمر سيكلل بالمشاكل والتعاسة”.
ولتفادي حالات الطلاق تنصح العالمة الاجتماعية، رميصاء محاميد، بنشر الثقافة الدينية ونشر التوعية الإسلامية وما ينص الإسلام على كيفية بناء بيت مسلم وعلى حسن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، من خلال حملات توعوية مستمرة، بالإضافة إلى حسن اختيار الزوجة/ الزوج، وتنظيم دورات وورشات تساعد على التهيئة قبل الزواج للشباب والشابات ما قبل الزواج.
وتنصح أيضا في حال عدم تفاهم الطرفين بالعلاج الأسري/ الزوجي، بالتوجه إلى الاستشارة والعلاج حسب الحالة، مما يساعد الطرفين على فهم أحدهما للآخر والعيش بطريقة مشتركة ومرضية للجميع”. وتضيف: “في حال قرر الزوج تعدد الزوجات عليه مراعاة العديد من الجوانب وهي ألا ينبع قرار التعدد بسبب مشاكل مع الزوجة الاولى وبما أنه لا يريد الطلاق فيكون الخيار هو التعدد لأن المشاكل ستستمر وعلى العكس ستزداد”.