بروفيسور خالد أبو عصبة للقبس: “على الجهاز مراجعة كل العمليّة التربوية والتعليمية في جهاز التعليم العربي قاطبة وعلى الكليات أن تراجع عملها في إعداد المعلمين”
أظهرت نتائج الامتحان الدولي لتقييم الطلبة (بيزا) للعام 2018، مرة أخرى، تدني مستوى التحصيل العلمي في المدارس العربية قياسا بالمدارس اليهودية. وتبين أن تحصيل التلاميذ العرب في امتحانات بيزا بعيدة جدا عن تحصيل التلاميذ في الدول المتطورة، خلافا لتحصيل التلاميذ اليهود.
وقال بيان صادر عن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، الثلاثاء، إنه يوجد انخفاض في مجالات المعرفة في جميع المعطيات لامتحان بيزا، وبلغت الفجوة 144 نقطة.
عن هذه النتائج تحدث لمراسل صحيفة وموقع القبس البروفسور خالد أبو عصبة حيث قال:
“اولاً علينا أن نعرّف ما هي الاختبارات والقياسات الدولية التي يطلق عليها “البيزا”، لأن هناك عند البعض الاعتقاد بأنها اختبارات معرفيّة في المجالات التي تمّ قياسها. هذه الاختبارات تشارك بها 77 دولة في العالم، وحسب النتائج فإن إسرائيل تحتلّ الموقع الـ 37 من بين هذه الدول التي شاركت بالاختبارت، وهناك فارق ما بين علامات الطلبة اليهود والعرب تصل إلى أكثر من 100 علامة، وفي القراءة إلى 120 علامة (الطلبة بجيل 15 عامًا)”.
وتابع بقوله: “علينا أن نعرف بأن هذه الاختبارات تفحص مهارات ولا تفحص معرفة، هذه المهارات (التنوير في القراءة أو الرياضيات أو العلوم) تعني قدرة الطالب على التحليل لنص (في لغة الأم) أو معلومة في الرياضيات أو العلوم وشرحها والقدرة على نقدها و/أو نقلها وتوظيفها في مجالات مختلفة، أي ان الحديث يدور عن مهارات ذهنية بدرجات عالية، وليس على الكم المعرفي (الخامل) الذي يخزنه ويعرفه الطالب بغرض الحصول على علامة في التحصيل.
فعلى سبيل المثال: اختبار القراءة في لغة الأم، هدفه تقييم بشكل نقدي نصًّا، من أجل أن يصل الفرد إلى تطوير معرفته وقدراته الذاتية وتطبيق هذه المعرفة على الواقع المعاش والبيئة التي يلامسها الطالب”.
وأسهب بقوله: “النتائج التي نشرت (هي نتائج الاختبارات لعام 2018) وحصل عليها الطلبة العرب، تشير إلى تدني في التحصيل بهذه الاختبارات مقارنة باختبارات عام 2015 (لأن اختبار البيزا كل 3 سنوات). كما وتشير الفوارق إلى أن إسرائيل تحتل المكان الأول في العالم من حيث الهوة بين العلامات على خلفية الانتماء للمجموعات الأثنية (ما بين الأغلبية والأقلية)”.
القبس: ماذا يتوجب على جهاز التربية والتربية أن يقوم به إزاء هذه النتائج التي كشفت الفروقات الشاسعة؟
على الجهاز مراجعة كل العمليّة التربوية والتعليمية في جهاز التعليم العربي قاطبة (وخاصة في لواء الجنوب حيث تدنّي التحصيل بشكل ملفت للنظر). هذه المراجعة تشمل الاستثمار المادّي والقوى البشرية العاملة ومضامين التعليم. باعتقادي بأن الأمر بلغ إلى حد لا يمكن الاكتفاء بالإصلاحات فقط وإضافات وتحسين هنا وهناك، بل يتطلب الأمر تغيرًا جذريًا بكل ما يدور بجهاز التعليم. الأمر يتطلب تغيير سياسات تربوية منتهجة إلى جانب استثمار مكثف في المكان الصحيح. دون هذا سنبقى نتحدث عن إصلاحات (إضافات كمّية) سرعان ما تعيدنا إلى نفس الخانة.
انتقاد المؤسسة بالتمييز هو صادق بلا شك، وعلينا أن نكثف هذا النقد كي نحصل على مستحقاتنا من حيث الموارد المادية كمواطنين، إلا أن هذا غير كفيل بالتغيير بدون تغيير في العملية التعليمية والتربوية من ناحية المفاهيم وأساليب العمل وتطوير قدرات بشرية قادرة على النقلة النوعية للعملية التربوية والتعليمية.
كما ويجب أن أشير إلى دور الأهالي بهذا الأمر، فالعملية التعليمية والتربوية لا تبدأ ولا تنتهي بالمدرسة، بل تبدأ من البيت وتنتهي في المجتمع برمّته.
القبس: من المسؤول والمتهم إزاء هذه النتائج؟
نعم، بالدرجة الأولى الوزارة المسؤولة المباشرة عن التعليم. يجب أن يكون هناك ضغط سياسي وجماهيري لمساءلتها عن ما آلت إليه أوضاع التعليم العربي. كما أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الحكم المحلي العربي. على الحكم المحلي اخذ دوره الفعلي بكل ما يدور بجهاز التعليم، وعدم الاكتفاء برصد موارد مادية (شحيحة بطبيعة الحال لعدم وجود دخل ذاتي لرفع مستوى الخدمات بشكل ملموس كما الأمر في مواقع ومدن يهودية مركزية). كما أن هناك مسؤولية تقع على عاتق كلّيات إعداد المعلمين، وذلك لأن المتغير الأساسي في دفع العملية التربوية والتعليمة هي جودة التعليم وجودة علم المربي. على هذه الكليات أن تراجع عملها في الإعداد وكذلك في كل ما يتعلق بقبول الطلبة (والحديث حول هذا يطول).
القبس: ما الذي يجب فعله من أجل رفع مستوى التربية والتعليم على مستوى قرية جت لتنعكس ايجابا على امتحانات البيزا؟
التعليم في جت والحمد لله أفضل من باقي القرى والمدن العربية نسبيًا وذلك لأسباب عديدة، أهمها اهتمام الأهالي منذ سنوات طويلة واستثمارهم بالأبناء وكذلك اهتمام السلطة المحلية منذ سنوات طوال في الجانب التربوي والتعليمي. إلا أن هذا يجب ألا يجعلنا نركن بأن الوضع على ما يرام. علينا أيضا ان نراجع نقاط القوة والضعف في مؤسساتنا التعليمية، وأن نستمر بالاهتمام بهذا الجانب لما له الأثر على جيل المستقبل والحراك الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الفردي والجماعي، كذلك على ثقافة البلدة والتي تتميز بتحصيل أبنائها وبناتها عن باقي البلدات العربية.
كما وعلينا أن نبدأ اليوم بالتفكير بشكل جدي لبناء برامج تدخل شمولية بغرض تعزيز العملية التربوية والتعليمية لكافة الشرائح الطلابية، سيما ونحن في عصر تفجر المعلومات والانتقال إلى مرحلة التعليم الرقمي. كل هذا دون إغفال طلبة ذوي محدودية وكذلك شرائح مستضعفة تحتاج منا جميعًا الأقسام المختلفة بالسلطة المحلية وكذلك المؤسسات التربوية والتعليمية والأهالي في البلد.
القبس: على الرغم من توفر الميزاينات وزيادتها في السنوات الأخيرة إلا أن ذلك لم يؤثر إيجابا على النتائج. كيف تفسر ذلك؟
اولاً الميزانيات غير متوفرة، بل هناك تمييز صارخ لمدى عقود طويلة، ومن غير الممكن جسر الهوة بميزانيات ضئيلة نسبيًا تم إمداد السلطات المحلية بها أو وزارة المعارف من خلال الخطة الاقتصادية 922.
ثانيًا، صحيح هناك علاقة طردية ما بين المدخلات والمخرجات، إلا أن المدخلات ليست بالضرورة فقط مادية، هناك استثمار إضافي وهو جودة التعليم وإعداد المعلمين وأساليب التدريس، هناك مدخلات على شكل مدى استغلال الوقت النوعي (جودة) للاهل مع الأبناء والقائمة طويلة.
ثالثا، حتى لو “توفرت” الميزانيات، يبقى السؤال كيف وأين تصرف هذه الميزانيات؟ وكم يصل منها إلى الطالب في نهاية المطاف؟
واخيرًا، قضية الاستثمار على شكل موارد مادية هي مهمة ومهمة جدًا، إلا أنها لوحدها غير كفيلة بإحداث التغيير النوعي المنشود.