أخذت من ابنتها يوما لله

سيدة من أعيان العمل التربوي والخيري نجحت في المعادلة الصعبة فأنجزت لله في خارج البيت وربت أولادا مبرزين في حياتهم ومجالات عملهم وزوجتهم وتوسعت عائلاتهم وبقيت عندها آخر العنقود تسندها وتؤنسها، ومع تقدم العمر أصبحت تحتاج الى من يوصلها لمتابعة أعمالها التطوعية فطلبت من ابنتها ان تخصص لها «يوما لله» ترافقها فيه وتساعدها على أداء مهماتها، وهذا لا يتنافى مع أن عملها الوظيفي اليومي الذي تأخذ عليه أجرة هوأيضا مفيد للدين والدنيا ومبدع ويخدم الناس.
توقفت عند المعنى كثيرا وعن العهد بين الأم وابنتها وفكرت في هذه العلاقة الراقية بين الوالدين وأبنائهم التي تتعدى الاطعام والكساء والستر الى إحياء النفس وتكوين الشخصية وفتح السبل والمسارات في الحياة، هذه العلاقة التي تتعدى الاسلام الشعائري الى المعنى الوظيفي الذي لا بد أن يظهر للناس، فحجابك وصلاتك كلها لك والاقتصار عليها فقط أنانية، أما الدين الحقيقي فهوما يظهر للناس في معاملاتك ومنفعتك لهم.
توقفت عند المعنى كثيرا لأتساءل ماذا نورث لأبنائنا غير الدرهم والدينار، قل أوكثر؟! أوليست المعاني النبيلة أهم؟ هل ستزول آثارنا في حياة أبنائنا بمجرد موتنا اونفاذ ارثنا لهم؟ أم أن هناك معنى وقيمة وسلوكا وسنة حسنة وباب خير سيقى مفتوحا ومستمرا ومطردا في حياة الأبناء وبه يحيا الإباء مجددا وتحيا ذكراهم فيظل الولد والبنت يرددان: كان أبي يفعل كذا، أمي أول من ربتني على كذا، رحمهم الله ما زلنا نفعل الخير الذين كانوا يفعلونه في حياتهم..
هذا هوالبر المقدم الذي يستبق به الأباء بر أبناءهم لهم فمن زرع مثل هذا الخير في فطرة سليمة لا بد أن يحصده أجورا مضاعفات لا تنتهي بالزوال الجسدي!
توقفت كثيرا عند المعنى لاتساءل ماذا سيذكر أولادنا عنا ومنا؟ هل يكون معنى الاية «والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم» أن اللحاق والانتساب الى الأباء ليس فقط نسبة دم وعائلة بل نسبة إيمان وعمل وبذا تحفظ وتتعمق الوشائج بيننا وبين أهالينا في الدنيا والآخرة.
لقد علمني هذا الموقف أن أراجع نفسي كأم وأفكر فيما سأبقيه لابنتي وعهدي لها في الحياة والممات
هل الدعاء الذي سيبقى لنا من أبنائنا «ولد صالح يدعوله» هودعاء لاننا أنجبناهم ورعيناهم فقط أم أنه دعاء الامتنان لان لنا بصمة في صلاتهم الخاشعة وحجابهن الملتزم وأمانتهم مع الناس واخلاصهم واحسانهم في العمل وتفانيهم في خدمة أوطانهم؟! هل سنبقى في قلوبهم وخزة النفس اللوامة وصوت الضمير الذي يذكرهم بالله ويحضهم على الخير في غيابنا قبل حضورنا؟! هل سيذكروننا مع كل حب وإقبال على الخير بنفسية العطاء المنشرحة والمبادرة؟!
جاء في أحد القصص: قالت لي أمي يوما وأنا صغير هل تستطيع ان تقول كلمه حلال وتظل شفتيك مفتوحه؟ حاولت ونجحت ان اقولها بدون ان اطبق شفتاي. صفقت لي امي وقبلتني ثم قالت هل تستطيع ان تقول كلمه حرام وتظل شفتيك مفتوحه؟؟حاولت مرارا ولم استطع فقلت حزينا لا استطيع مهما حاولت في النهايه تغلق شفتاي. ضحكت امي وقالت هذا هوالفرق بين الحلال والحرام يا بني. الحرام اغلاق وشقاء والحلال فتح وسعاده فأختر ما شئت إما ان تفتح لك ابواب الدنيا والآخره وإما ان تغلق في وجهك. ومن يومها اذا فعلت حراما اطبقت امي شفتيها وعلى وجهها تكشيره واذا فعلت حلالا فتحت شفتيها بإبتسامه وكانت تقول لي اذا كنت تحب ان ترى ابتسامه امك دائما فعليك بالحلال. كبرت وحاولت ألا أفقدها ابتسامتها أبدا. وماتت أمي ودخلت لأقبلها القبلة الأخيره فوجدتها مبتسمه مفتوحه الشفتين قلت على العهد يا أمي››الحلال الى ان القاك».
إن الايمان عهد والدين عهد والصدق عهد والاخلاق عهد والوطن عهد فانظروا ماذا تبقون لأبنائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى