أودُّ لو أعود متدينا

يقولون إن للبدايات دوما إشراقها وحماستها، فالطفل عندما يبدأ المشي يسعد بنفسه فينطلق سريعا كما لوانه يخاف أن يتوقف اذا أبطأ، ويقع مرات عديدة ولكنه ينهض سريعا دون أن تخّذله كثرة السقطات أوتترك أثرا سلبيا في نفسه
هكذا كانت نفوس الكثيرين عندما بدأنا درب التدين والفهم عن الله لنصير مسلمين بإرادتنا واختيارنا لا بالوراثة عن والدينا، عندما بدأت نسائم المحبة والفهم تتغلغل في قلوبنا كنا نصلي بلذة من أذهبت النشوة إحساسه بالدنيا، كانت النوافل عندنا بمرتبة الفرائض نقضيها اذا فاتنا شيء منها، كانت ثقافتنا الدينية محدودة ولكن تطبيقنا للقليل الذي نعرف كان يقترب من الكمال،كنا نجهل المحددات السياسية والاعتبارات الاجتماعية التي تحاصر العمل من أجل الاسلام ولا نبالي بها أوبالانحناء لها أوبالتماشي معها فكنا متحفزين للعمل والحركة وكأن الدين في مالطا وأبعد منها سيقوم على أيدينا، كان قدوتنا عمر في حزمه وعدله وصلاح الدين والشهداء في جهادهم وتفانيهم وتضحياتهم، كانت قلوبنا نظيفة لا يعلوها غبار الحياة والتكلف والركض وراء المصالح والمناصب….أما الآن فكثرت علومنا ولكن قل أخذنا بها، نتقن التشدق في كافة المجالات ونفشل أن نحول الأحلام الى واقع، نعرف ما يُصلح ويُفسد ونعجز عن الاصلاح ونترك الميدان لجلد الفاجرين
لم تعد العبادات تغسل ران القلوب، وخلق ثوب الإيمان في جوفنا حتى صرنا أجسادا بلا أرواح، كثرت حركتنا الظاهرة للدين ولكنها حركة جعجعة تصدر أصواتا قوية دون طحن أوحصاد للمحصول، صرنا نرى أنفسنا أفضل من الآخرين ويحق لنا الترفع عن جماعة المسلمين أوحتى طعنها في الظهر بمسوغات الانفتاح والتجديد وغيرها.
يا ترى عندما يشعر الذين يزعمون أنهم متدينون بالفتور الطويل فماذا يحصل لبقية المجتمع؟؟ واذا فسد أهل الصلاح وهم ملح الأرض فكيف نعالج فساد الأرض؟ من يرد للدعاة والمصلحين غربتهم في أنفسهم وغربتهم مع أهليهم ومجتمعاتهم؟
نقول اننا متدينون فنفصل أنفسنا عن بقية المجتمع فصل قسمة وابتعاد، نفصل أنفسنا عن مجتمعنا المسلم الذين يدين بالاسلام فطرة وقانونا وثقافة وحضارة، والسؤال هنا: الأ يجب بطبيعة الحال أن نكون كلنا متدينون؟؟وإذا كان التدين من التفعّل وهي صيغة تحمل معنى تكلف الشيء، فهل المتدينون يتكلفون شيئا لا يشاركهم فيه بقية المجتمع؟؟ واذا كان ذلك فأين اذن دورهم في المجتمع حتى ترفع الكلفة ويصبح الدين طبيعة الجميع؟؟ واذا كان المتدينون بعيدين عن دعوة الناس، والدين بعيد عن حياتهم، فهل دين المتدينيين دين فطرة ينفذ الى بواطنهم فيصلحون به ويُصلحون غيرهم أم دين مظهر يتكلفونه لا يعدوحناجرهم؟؟
أيها القراء الأفاضل وقعت على شكوى بليغة أسوقها لكم كتبها أحد الدعاة الى صاحبه يسأله علاجا لنفس تود لوتعود متدينة بالفطرة لا بالتكلف، بالمخبر والمظهر، في الظاهر والباطن، في البيت والمجتمع والعالم لعلها توقفنا أمام أنفسنا في لحظة مصارحة ومكاشفة:
«هل أتاك نبأ الرجل الذي لا قلب له؟
عفوا، اذا كان القلب هذه الكتلة العضلية من اللحم الأحمر، الذي تقبض الدم وتبسطه، فهويملكه-بلا ريب- بدليل حياته، وأما اذا كانت هذه العاطفة الجياشة والاحساس الصقيل والشعور الحي فأسفا!!
هويقف للصلاة ويلم فيها شتاته، ويتلوالقرآن ويحصر فيه انتباهه ثم يصلي ويتلوبنبرات قالوا: إنها شجية خاشعة، ولكنه يتحسس قلبه فيجده أصم لا يخشع وان كان يفقه.
هويفطن الى معالم الحسن الدقيقة بالنظرة الخاطفة، كما يدرك مواطن القبح الخفية باللمحة العابرة، وهويقرأ أخلاق الرجل في وجهه، مصيبا الى حد بعيد، وبالرغم من ذلك فهولا قلب له! هويلقى الصديق والقريب والجار بعد غياب طويل فيهز يده بقوة، بل ويعانقه، ولكن قلبه جامد لا يختلج، هويهتف في الناس أن كونوا وكونوا ويدلل ويحتج ولكن قلبه متصلب لا يهتز، هويتلقى الخبر السار فيبتسم والنبأ المحزن فيقطب، ولكن سروره وحزنه آنيان وقلبه ساكن لا يضطرب، لقد أُوتيت العقل وسُلبت القلب، فطالما أحسست بفكري يتأجج ويعمل ويثبت وجوده ولكن عبثا حاولت أن أثبت هذا لقلبي.
ولقد أتاك نبأ الرجل الذي لا قلب له، فهل لك في أن تُحيي قلبي حتى يؤمّن على ما يقوله اللسان بالخفقان والشعور».
رمضان شعر الحياة والإحياء من لم يقتنصه وجب أن يخاف على نفسه بأي زاد يقضي بقية العام ومن فقه رمضان حق الفقه سيحيا به أعواما عديدة وأزمنة مديدة حتى يأتيه اليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى