إدفعوا بالعزيمة!

واجهت البشرية العديد من المواقف الصعبة عبر الأزمنة. كان منها ما أبدعت البشرية في التعامل بها ومعها وفي أخرى فشلت. وفي غيرها نجح البعض وفشل البعض ولكل مواجهة كان ثمنها. لا نستطيع دوماً توقع ما يمكن أن يحدث، لكن هناك أمور نعرف نهايتها من بدايتها. نعلم جيداً مثلاً أنك إذا أقبلت على عمل ما وأنت مقتنع تماماً بأنك لا تستطيع عمله – ففعلاً لن تستطيع عمله وطبعاً لن تنجح فيه مهما حاولت. إذا أخذنا كمثال مجموعتين من الناس يعيشون في نفس المكان, السؤال هو – لماذا يُقبل البعض على مهام وهم مستسلمون للفشل ومقتنعون به مسبقاً، ولماذا هناك من يقومون بكل الوسائل لكي يصلوا الى النجاح وإتمام المهمة وينجحون فعلاً؟ الجواب يكمن في “طريقة الدفع”. وليس القصد بالدفع المتداول من عالم الأموال والنقود. أقصد دفع من نوع آخر يميز صاحبي أعلى نسب النجاح في ما يريدون تحقيقه.

كثيراً ما نُقارن في بلادنا هذه بين وضعنا هنا ووضع غيرنا في مناطق أو دول أخرى, ونستغل ذلك أحياناً للتخفيف عن أنفسنا أو لجلد أنفسنا.. فلنتخيل الآن للحظة أننا (مجتمعنا بأكمله) نعيش في بيئة تسودها الفوضى التامة والعشوائية والأوساخ وانعدام أي قيادة للمجتمع. ولنضف على ذلك انعدام أي خدمة من الخدمات التي نعتبرها مفهومة ضمناً في حياتنا اليومية, كالمياه النقية والأكل المتنوع والكهرباء – أي بيئة منعدمة البنية الأساسية. كيف يمكن لمجتمع أن يعيش في هذه الظروف ويتقدم؟ كيف لمثل هذا المجتمع أن يطمح ويحلم ويحقق حلمه (حلمه كمجتمع والحلم الشخصي لكل فرد به) وهو مُدرك ومتأكد أنه وُضع في موقف صعب لا ولن يستطيع أن يتغير جذرياً الا بمرور زمن طويل وثمين؟ كيف له أن يتفاءل؟

البيئة التي وُصفت في الفقرة السابقة ليست خيالية وهناك الملايين ممن يعيشون بها وبظروف أسوأ حتى. فهل يستسلم من يعيشون هناك ويتحولون الى أجساد ساكنة عديمة الإنتاج والتميز البشري؟ لا. كلا. يعلمون الثمن ويدفعون بأسمى نقود الإنتاج البشري: “العزيمة والإصرار”. يقومون باستغلال كل ما حولهم للاستفادة منه ويحوّلون الحاجة للأدوات والإثراء والمال (بالمعنى التطبيقي والعملي) الى محفّز للإبداع ومن بعده الإنجاز والتقدم في الحياة. هم لا ينظرون الى الجانب السلبي ونصف الكأس الفارغ. العزيمة تحرك التفاؤل عندهم والذي يصبح كنزاً للعيش بكرامة وأمل، رغم البيئة الصعبة. وما فائدة الحياة بدون التفاؤل والأمل لمستقبل أفضل؟ فقط يبقى علينا أن نعمل وننجز ونتقدم كي نرى نتائج هذا التفاؤل والأمل.

أن تدفع بالعزيمة معناه أنك تعلم أن إنجاز المهام النافعة لك ولغيرك هو ليس بالأمر السهل لكنه يستحق العناء والتعب والجهد والتضحية. بمجرّد أنك قررت (رغم كل الصعوبات التي حولك والتي قد يكون أغلبها غير متعلق بك) أنك لن تستسلم وتريد أن تثابر لتحقق هدفك، فأنت قد بدأت بعملية النجاح وخطوت بها أولى الخطوات.

بيئة معظم أفراد مجتمعنا نحن بعيدة جداً عن الوصف الصعب الذي وُصف في بداية هذا المقال ويُعاني منه الملايين في مناطق مختلفة من هذه الأرض. مع ذلك، هناك الكثيرون في مجتمعنا الذين ينظرون في حياتهم اليومية الحالية فيبدأون بتوفير التبريرات لعدم قيامهم بأمور هامة ولعدم نجاعتهم وعدم إتقانهم، وكذلك “يكرسون وقتاً” لليأس والاستسلام المدمّر لهم ولمن حولهم. المشكلة أن قسماً منهم يحتل مناصباً لخدمة الجمهور، فأي خدمة ناجعة يستطيع هؤلاء أن يقدموا عدا أن يجعلوا الإحباطَ جزءاً من سياسة إدارة شؤون الناس ومنع تقدمهم وإبقائهم على حالهم سنين طويلة؟

على قيادات المجتمع أن تدفع بالعزيمة وتُظهر “الفاتورة” العملية لتحصل على أفضل الممكن في كل نقطة زمنية لصالح مجتمعها، فتكون أوّل مصدر حقيقي للمجتمع بما يتعلق بالتفاؤل والطموح الى حياة أفضل لمن يخدمونهم. عليها أن لا تكون أول من “يستسلم” لظروف سابقة وُضعت بها فتصبح خاملة لا ناجعة ولا نافعة، بل أن تضع الخطط الواضحة لتغيير الواقع الى حال أفضل رغم التحديات والصعوبات الممكنة خلال هذا المشوار. وكما “تتقن” بعض إدارات المؤسسات الرسمية (التي هدفها خدمة الجمهور وليس خدمة الإدارة وأصحابها) هدر الأموال ودفع الميزانيات على ما لا يستحق أدنى الدفع، فإن الواجب الحقيقي هو أن يدفعوا بالعزيمة الصادقة لتحسين شؤون الناس وإدارتها بإتقان وإخلاص ومهنية مثبتة.

قيادات المجتمع هي أيضاً نوعاً ما مرآة للمستقبل الذي ينتظره عاجلاً أم آجلاً. وعلينا أن ندرك ذلك. وعلينا جميعاً أن ندفع بالعزيمة والإصرار على نجاحنا الشخصي والاجتماعي معاً. نتيجة الفاتورة الإيجابية الرائعة من هذا الثمن ستُظهر كيف يمكننا أن نصل إلى مستقبل أفضل، يعطي للتفاؤل والأمل شكلاً وواقعاً وليس فقط أن يبقى حلمًا. والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى