ابك واضحك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالوا لـ محمد صلى الله عليه وسلم:
– قال الشاعر العربي أحمد شوقي رحمه الله
يا أَحمَدَ الخَيرِ لـي جــاهٌ بِتَسمِيَتـي    وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسـولِ سَمِــي
إِن جَلَّ ذَنبي عَـنِ الغُفــــــرانِ لـي أَمَـلٌ   في اللَـهِ يَجعَلُنـي فـي خَيـــــــرِ مُعتَصِـمِ
وقال الشاعر التركي نجيب فاضل رحمه الله:
(يا مبشري، يا منجيّ، يا سيدي، يا نبي، إني قسطاس “معيار” لا يلائمك، ولو كانت هي الدنيا، ارفضها وأتركها).
وقال الشاعر الهندي محمد إقبال: (يا رب العالمين، أنت غني عن العالمين، وأنا عبدك الفقير، فاقبل معذرتي يوم الحشر، وإن كان لابد من حسابي فأرجوك يا رب أن تحاسبني بنجوة من المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإني أستحيي أن انتسب إليه وأكون من أمته وأنا أقترف هذه الذنوب والمعاصي).

عش مع محمد صلى الله عليه وسلم:
كثيرون هم الذين تستهويهم سيرة وقصة حياة العظماء، فيقرأونها ليعيشوا مع العظماء كيف كانوا في فكرهم وسلوكهم وأخلاقهم، وفي علاقاتهم ومعاملاتهم. إنهم يبحثون في زوايا ومفاصل حياتهم الدقيقة ليتعرفوا عليها، بل إنهم يجتهدون في محاكاتهم والتشبه بهم. وهذا ما نراه في تقليد بعض الشبان لمن ينبهرون به من لاعبي الكرة أو حتى الممثلين في المسرح والسينما؛ فنراهم يلبسون من نوع الماركات التي يلبسونها، وحتى تسريحة الشعر فإنها لا تُقبل إلا إذا كانت مثل تسريحة شعرهم.
ليس للمقارنة، وإنما للتأكيد. إن أشهر وأفضل وأكرم وأعظم عظيم في التاريخ يستحق أن تعيش معه هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. وإن أفضل عيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقرأ سيرته بإمعان وتدبر كل يوم، وأن تزوره في روضته كل عام، إن قدرت: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). الأحزاب\ 21.
نعم، لقد أنعم الله علينا أن سيرته- صلى الله عليه وسلم- قد كتبت وحفظت بأدق تفاصيلها؛ كيف كان يأكل، وكيف كان يشرب، وكيف كان ينام، وكيف كان يمشي، وماذا كان يلبس، وماذا كان يحب وماذا يكره؟ علاقته وسلوكه مع أزواجه ومع بناته ومع جيرانه، بيعه وشراؤه.. ولعل أفضل ما كتب في هذا الجانب كتاب “زاد المعاد في هدى خير العباد” لابن القيم، حيث فيه وردت أدق التفاصيل في هديه وسلوكه وتعاليمه صلى الله عليه وسلم، بل في وصف ملامح وجهه وكل جسده الطاهر. فيا من تحب محمدا- صلى الله عليه وسلم- عش مع محمد، وليكن هو قدوتك وأسوتك ومثلك الأعلى، ومن تتشبه به وتسير على هديه. عش مع محمد – صلى الله عليه وسلم- في الدنيا لعل الله أن يكتب لك العيش معه في الآخرة في جنات النعيم، بل الفردوس الأعلى بإذن الله، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: “يحشر المرء مع من أحب”، والله سبحانه القائل قبل ذلك: (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء\69.

كن مثل محمد صلى الله عليه وسلم:
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم    إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
على الأقل، وفي الحد الأدنى إن لم نستطع أن نكون- ولن نكون- مثل محمد صلى الله عليه وسلم فلنتشبه به. لن نكون مثله لأنه صلى الله عليه وسلم قد تفرد وحده بالكمال الإنساني المطلق من جميع النواحي، وهو صلى الله عليه وسلم- كما قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: (بل إنه يمثل النجاح المعجز في تربية النماذج الإنسانية الكاملة من الأفراد والأمة الإنسانية الكاملة من بين الشعوب).
أما التشبه به- صلى الله عليه وسلم- فلنسع إليه ولنجتهد أن نكون مثله- صلى الله عليه وسلم- ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. فلنكن صورة موجزة عنه، ونموذجا قريبا منه صلوات ربي وسلامه عليه. ألم نقرأ عن الصحابة- رضى الله عنهم- وقد كان الواحد منهم يلاحظ عليه انه يسير خلف رسول الله فيضع قدمه تماما في المكان الذي وضع فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدمه؟ ألم نقرأ عن ذاك الصحابي الذي مر على شجرة فأحنى رأسه وقامته، مع أن الأمر لا يستوجب ذلك، فلما سئل قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر يوما من تحت هذه الشجرة، وكان منها غصن تدلى فأحنى رأسه الشريفة. وأنا أحب أن أفعل فعله وأن أكون مثله.
وقال الشيخ السباعي رحمه الله تعالى: “فمِثل محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ ما كان ولن يكون، لأن إرادة الله اقتضت أن تكون للإنسانية شمس واحدة تطلع كل يوم”. فهذه الشمس ما زالت تطلع ولم تغب ولن تغيب. فكن مثل محمد أيها الأخ الحبيب، وتشبهي بهدى وخلق محمد أيتها الأخت الفاضلة. فإنك إن فعلت ذلك فحتما يوما القيامة ستكون معه وخلفه يعرفك وتعرفه، فهو النور يوم القيامة، وأنت الذي تأتي بإذن الله محجلا من أثر الوضوء، لتكون هي العلامة وكلمة السر و”شيفرا” الحب بينك وبينه. فكن مثل محمد صلى الله عليه وسلم.

كن ابن محمد صلى الله عليه وسلم:
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له من الأولاد الذكور أحد، بل كان له أربع بنات رضي الله عنهن، فلم يبق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنٌ يرث قميصه ورداءه وبضعة دراهم وجدت في بيته، فهو لم يترك ابنا يخلفه ولا يرثه، وإنما أبقى- صلى الله عليه وسلم- ما بقيت الأرض، أجيالا تتعاقب، تحمل لواءه وترفع رايته وتسير على هديه، وتهتف باسمه. إنها الاجيال التي ما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جالسته، وإنما هم الذين أحبوه وبايعوه دون أن يروْهُ، وهو يبادلهم صلى الله عليه وسلم نفس الحب. فقد زار المقابر يوما فسلم على أصحابها وقال: “يا رب متى ألقى أحبابي؟ فقال من معه من الصحابة: أولسنا أحبابك يا رسول الله؟ قال: “بل أنتم أصحابي، وإنما أحبابي هم الذين آمنوا بي ولم يروني”. إنهم أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يشعرون باعتزاز النسب، وهم يقولون: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. بل إن أجمل هتاف يهتفون به قولهم: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
إنهم أحباب وأبناء محمد صلى الله عليه وسلم، الذين يرددون مع الشاعر قوله:
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي    إنا بغير محمد لا نقتدي
وقول الشاعر الآخر:
ومما زادني شرفًا وتيهًا وكدت    بأخمصي أطأ الثريـا
دخولي تحت قولك: يا عبادي    وأن صيَّرت أحمدَ لي نبيـا
أيها الأحباب، أيها الغرباء، فإن لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد وابن يخلفه، فكونوا له أنتم الأبناء والورثة، وكونوا أنتم خير خلف لخير سلف، فكونوا أبناء محمد صلى الله عليه وسلم، تكملون مسيرته، وترفعون رايته، وتسمعون الدنيا؛ كل الدنيا هتاف المجد: “أشهد أن محمدا رسول الله”. فكونوا أبناء محمد وبناته. وكونوا آله وعزوته وأهله وورثته، ونِعم النسب ويا لفخر النسب.

ابكِ مع محمد صلى الله عليه وسلم:
لكأني بحبيبي- صلوات ربي وسلامه عليه- يجلس عند محراب مسجده الشريف، وقد افترش الأرض واضعا رأسه بين راحتي يديه، وراح في تفكير عميق يجول بين أصقاع الجرح الإسلامي النازف من القدس إلى غزة، إلى حلب، إلى الفلوجة، إلى اسطنبول، إلى عدن، إلى بنغازي، وإلى حيث لا ينتهي الجرح، فتتوالى في مخيلته صور الدم والهدم والألم. وإذا بها كأنها وهج النيران تكوي شغاف قلب الحبيب وتلفح وجنتيه، فتنهمر حبات الدمع ساخنة تتلألأ على خديه صلى الله عليه وسلم.
وكيف لا يبكي الحبيب، وكيف لا تسيل الدموع على خديه، وهو يرى دموع أطفال سوريا، والعراق، وقد امتزجت دموعهم بدمائهم، وهم الذين راحت تتناوشهم سهام الخوف والجوع، والبرد، والحر، والتهجير، واليتم، وقنابل الطائرات الروسية والأمريكية وطائرات بشار تلقى على رؤوسهم وتمزق أجسادهم الغضة فتحولها أشلاء متناثرة؟
وكيف لا يبكي الحبيب ولا تسيل الدموع من عينه، وهو يسمع أخبار أمته، التي أذلت كسرى الفرس، وقيصر الروم؟ هذه الأمة التي فتحت القسطنطينية، وهي التي تحدت زحوف الصليبيين، ومرغت أنوف التتار في التراب؟ كيف لا يبكي، صلوات ربي وسلامه عليه، وهو يرى ويسمع حال أمته المجيدة وقد أصبحت مثل القطيع يسوقها الكاوبوي الأمريكي بكرباجه، وينهش الدب الروسي المتوحش جسدها بأنيابه؟ كيف لا يبكي صلى الله عليه وسلم وهو يرى شعوبا حكمناها بالعدل والرحمة، فراحت تسومنا سوء العذاب؟ وشعوبا كسرنا شوكة عنفوانها وصلفها، فراحت اليوم تذيقنا مر العلقم؟
أيها الحبيب، يا سيد السادات، يا صاحب القلب الحليم والصدر الحنون، والعين الدامعة.. يا من لبكائك تهتز الأراضون والسماوات؛ لقد بكينا حتى أعيانا البكاء. وإننا اليوم نقول لك: لا! لا تبك يا حبيب، فقد انتهى زمن البكاء. أنت الذي تطمئننا بأن وعد الله آت، وأن الله سبحانه لا يخلف الميعاد. فيا دمعة في عين أحمد انتظري قليلا بين أجفان عيني الحبيب، حتى ترتسم عما قريب بسمة على شفتي أعظم حبيب، وما أعظمها دمعة تتلألأ، وثغر يبتسم. إنها دموع الفرح للفجر القريب الآتي بإذن الله تعالى.

ابتسم مع محمد صلى الله عليه وسلم:
ابتسم معه لأنه هو الذي علمنا أن مع العسر يسرا، وأن بعد الليل فجرا، وبعد الكرب فرجا، وبعد الدمعة بسمة. فهكذا أراد صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن ينظروا في فهم الأشياء والأحداث. إن عليهم أن ينظروا إليها من خلال أن لهذا الكون إلها مدبرا رقيبا يحكم، ولا معقب لحكمه، يقضي ولا رادَّ لقضائه.
فهو الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجعون. وإن من حكم الله وقضائه ومشيئته أن حكمته من الأشياء والأحداث لا يعلمها إلا هو سبحانه: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون). البقرة\ 216.
ولئن كان كثيرون من المسلمين في حلكة هذه المرحلة واسوداد ليلها وازدحام أحداثه، ومن خلال النظر إلى ما يجري فيها، فلئن كانوا لا يسعهم إلا الأسى والبكاء على حال الأمة، وأنه لن يكون في مقدور أحدهم أن يحبس دمع عينيه- مثلها كانت هي الدمعة في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم- فإن ما يجب تأكيده أنه، وعلى الرغم من سوء الواقع وصعوبة الظرف والمرحلة وعظم المأساة وعمق الجرح، أنه في خبايا هذا كله وبين طياته يكمن خير كثير، وسيظهر بإذن الله لنراه ونعيشه وتراه وتعيشه الدنيا بأسرها، وهو الذي يبدل حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا ودمعته بسمه، لا بل بسمات ترتسم على محياه بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه.
فلتبتسم يا حبيب، ولترتسم على محياك كل ملامح الأمل والبِشْر، وامتطِ خيول الفجر تدركنا فيه قبيل الغروب. ابتسم يا حبيب وأنت تسمع خيولك تصهل وأسنة أبطالك ورجالك تلمع. ابتسم يا حبيب، فأنت والله الذي بعثك بالحق، سترى وتسمع ما يسرك، وتسمع صدى الأذان يتردد في كل جنبات الدنيا ليظل اسمك مباركا على المدى والأيام، يسمعه أهل الدنيا كلها.
فابشر رسول الله، وابتسم يا رسول الله، فوالله لن يخزيك الله أبدا ولن يخزي دينك. وإننا نتبسم معك يا حبيب، فلك منا كل الحب وكل الوفاء وكل الصلاة وكل السلام، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى