الاستقلال والاستقلالية 2016

كتبتها وقلتها في السابق وهي صحيحة في هذا العام أيضاً: جميع الشخصيات التي قامت ببناء الدول القوية والمجتمعات المتينة والمؤسسات النافعة تحلّت بقوة استقلالها واستقلاليتها لصالح مجتمعاتها. ويُعَرَّف الاستقلال بأنه حالة لأمة أو دولة يقوم بها سكان المنطقة بممارسة حكمهم الذاتي، وعادة يرتبط ذلك بتطبيق سيادة هؤلاء السكان على تلك المنطقة. اذا كان مفهوم الاستقلال يُربط بشكل شبه عفوي بالدول والتنظيمات، فما هو تأثيره عملياً على الفرد في المجتمعات وما دور هذا الفرد أصلاً في ضمان هذا “الاستقلال”، أم يجب أن نقول ما دور هذا الفرد في ضمان “استقلالية” هذا الاستقلال؟ كيف نربط هذين المفهومين، وهل هناك أصلاً فرق بين الاستقلال والاستقلالية؟ هناك فرق. ونحن بحاجة ماسة لإدراك ذلك.
كلنا يرى في قوة الشخصية أمراً إيجابياً، حيوياً ومطلوباً. لكن هل تكون “الشخصية” فنوفّر لها الأدوات لتصبح قوية، أم أن “القوة” موجودة وما علينا هو إظهارها في الشخصية؟
إن مفهوم الاستقلال المعرّف بالقاموس لا يطبّق عملياً في عالمنا اليوم، إنما يتم التهديد والتعدي على اي استقلال كان، بشكل خارجي وداخلي، حسب “قابليته” لذلك ووفق قوة ردعه.
لا يمكن أن نفصل بين تركيبة وماهية استقلال أي كيان وبين تطبيق مفهوم الاستقلالية بين أفراد المجتمع نفسه. مثلاً: في بلادنا هذه نرى احتفالات الاستقلال، ويتم تأكيد إظهار كل معالمه، الاجتماعية، العسكرية، الاقتصادية، التكنولوجية والسياسية. إلا أن كل ذلك أساسه استقلالية الفرد – أو للتوضيح، كيف أرادت الدولة أن يعرفها الفرد. والمجتمعات المحلية مثل الدول، لكن بشكل أصغر.
والسؤال – ما الفرق بين “الاستقلال” و”الاستقلالية”؟ الاستقلال يُؤخذ بينما الاستقلالية تُعطى. من أهم الأمور التي يجب علينا توفيرها كأفراد في مجتمعنا، هي الاستقلالية لكل شرائح المجتمع. وكذلك علينا تشجيع كل فرد بأن “يأخذ” الاستقلال وأن يدرك أهميته ويستغله لمصلحة نجاحه، شرط أن يربط هذا النجاح بمنفعة للمجتمع. كل المجتمع.
وإذا أردنا تطبيق هذا المفهوم على قضية التربية والتعليم وبناء أجيال المجتمع الناجح والناجع، أول ما يخطر بالبال هو التركيز على القدرات الشخصية الفردية والاجتماعية. فإذا أردنا بناء وتعزيز شخصيات قوية ومستقلة من الصغر، علينا توضيح مفهوم “أخذ” الاستقلال من قبل الأفراد والمجتمع وبنفس الوقت “إعطاء” الاستقلالية لهم، بمجرّد إعطاء مهام ومسؤوليات ومتابعتها ومتابعة تطبيقهما طبعًا. المطلوب ليس بناء الشخصيات القوية لتستقل لنفسها فقط ولا تعطي للمجتمع فائدة بالمقابل، إنما تحويل القوة التي باتت بها (بسبب الاستقلال والاستقلالية) إلى محرّك جديد لنشاط جديد، مستقل ويحث غيره أيضاً على الاستقلالية بنفس الوقت للاستفادة والإفادة القصوى. المطلوب هو التميز والإبداع والإتقان في أي نشاط، مرة أخرى بسبب تلك الاستقلالية التي توفّرت والاستقلال الذي يجب استغلاله.
تحفيز الاستقلال والاستقلالية يجب أن يبدأ من الجيل الصغير، رغم صعوبة ذلك على “الكبار” – من ناحية عاطفية وكذلك عقلانية (المقولة المعروفة: “ما زالو صغاراً – عندما يكبرون يتعلمون الاستقلالية..”). يجب على العقل أن يغلب على العاطفة بما يتعلق ببناء الشخصية القوية المستقلة والاستقلالية.
وعلى صعيد العمل الجماهيري مثلاً – عندما توفّر وتطبّق السلطة المحلية الدعم الاقتصادي والاجتماعي لمشاريع لمصلحة السكان – فهي عملياً تمارس سيادة فعلية موثقة، والسيادة من ميزات الاستقلال. المشاريع يجب أن تكون مستقلة في فحواها وبنفس الوقت مستقلة مهنياً – أي أن التطبيق يحتم الاستعانة بالمختصين ومنحهم الاستقلالية التامة في تحضيرها. بنفس الوقت، على منفذي المشروع وضع هدف المبادِر للمشروع نصب أعينهم، لأنه باشر اليه كمستقل – مثل حلقة دائرية. (لأنه في حال فُرض ذلك على السلطة فهذا عملياً خلل في عدم استغلال الاستقلالية وهذا يُشَرْعِن سحب استقلالها ولهذا نتائج سلبية وثمن كبير).
كما ذكرت في بداية المقال – جميع الشخصيات التي قامت ببناء الدول القوية والمجتمعات المتينة تحلّت بقوة استقلالها واستقلاليتها لصالح مجتمعاتها. وفي مجال العاطفة تميّزُنا يجب أن لا يعتمد على العاطفة التلقائية المؤثرة للسلب إنما أن يعتمد على ثقتنا بالله، عاطفياً وعقلانياً، فإن ينصرنا الله فلا غالب لنا، وهذا خلال وبعد قيامنا بالقول والعمل بالشكل الصحيح. ويجب أن لا ننسى أبداً أن النصر يتحقق فقط بيد من عرف وطبّق معنى الاستقلال الحقيقي وكذلك منح الاستقلالية الحقيقية. هذا من أساسيات بناء قيادات المجتمع الناجحة والناجعة. وعند إدارة وقيادة المجتمع بالشكل المستقل والصحيح، يصعب تهديده والتعدي عليه، خاصة مع ظهور قوته وأساسها المتين.
وللتذكير – الاستقلال لا يعني بالضرورة “الحرية”، لكن اذا تعاون أفراد المجتمع المستقل والسلمي والذي يريد الاستقلالية للمصلحة العامة، فردياً وجماعياً – حتماً سيذوق ذلك المجتمع طعم الحرية وينعم بها بإذن الله. والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى