القارئ الشهد والقارئ العلقم

يعرّف المقال بأنه فن نثري يعرض فيه الكاتب لفكرة أو قضية ما دون إطالة، ومن أنواعه المقال الوصفي الذي يتناول ظاهرة طبيعية مثلا أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني وكذلك المعارف الاخرى والتكنولوجيا لها مقالاتها التخصصية، ويتأثر المقال بأسلوب الكاتب الذي قد يكون ذاتيا تظهر فيه شخصية الكاتب ومشاعره وآراؤه بشكل كبير، أو موضوعيا يقدم الحقائق مع التعليق عليها، مع أن بلوغ الموضوعية قد يكون ضربا من المستحيل فكل كاتب له فكره وتوجهه ومجرد اختياره لموضوع دون غيره هو انحياز لتلك الفكرة، وتبقى طريقة العرض وتقديم الدلائل هما ما يحكم درجة الموضوعية أو الانحياز، وقد يجمع المقال بين الذاتية والموضوعية، وعادة ما يقرأ الناس لكتاب بعينهم وأسماء لامعة ليعرفوا آراءهم وتحليلهم للقضايا المختلفة.
وقد أتاح تقدم وسائل الإعلام وانفتاحها على الجمهور زيادة في التفاعل بين الكتاب والقراء، وفي بعض الأحيان يكون ذلك غاية في الإيجابية، فالقارئ الواعي يمارس دورا مسؤولا في الرقابة على وسائل الإعلام والكتاب وتوجيههم بأسلوب بناء قد يفتح أبواب الحوار المفيد والعقلاني، والكاتب مهما بلغ من المهنية والحرفية والعلم لا يستغني عن القراء، فالأفكار كأي عرض وكلما أحسن الكاتب تسويقها أقبل القراء على الشراء، وإذا توقف القراء عن القراءة له توقف سوقه ولو كان ما يطرحه مقدسا، فحتى القول الحسن والجميل بحاجة الى وعاء يحتويه ويظهر ما فيه من مكامن الحسن، والكلمة الطيبة كما يُقال جواز مرور الى العقول والقلوب.
ولكن هذا التواصل والانفتاح له سلبياته فبعض القراء لا يحسنون الا النقد والتجريح وحتى الشتم مما حدا بكثير من المواقع الإعلامية التفاعلية والصحف الى إيجاد سياسة مراقبة داخلية تراجع تعليقات القراء قبل نشرها؛ إدراكا منها أن البعض قد يستغلون هذه الفسحة من الحرية لتبادل الآراء والخبرات لنشر سمومهم وتصفية الحسابات الشخصية أو لمجرد المعارضة المحضة، فبعض القراء يقرؤون بأفكار مسبقة عن الكاتب تتهمه مهما فعل وقال، وحتى النقاش معهم لا يوصل الا الى طريق مسدود وصدق فيهم قول الشاعر:

أقول له زيدا فيسمع خالدا                ويكتبه عمرا ويقرأ بكرا
فالنقد البناء كما يراه المصلحون ليس كشفا عن المعايب بل عن مساحات الخير في نفس وأسلوب المنقود، أما النقد الهدام فهو كما وصفه برناردشو كالانتحار، الا أنه يتميز عنه بحسنة واحدة: أنك تمارس الانتحار على نفسك بينما تمارس النقد على غيرك.
وبعض القراء يتوقعون من الكاتب أن يكون فيلسوفا موسوعي المعرفة، ومنظرا اجتماعيا وخبيرا سياسيا وإذا وجدوا غير ذلك اتهموا الكاتب بالجهل وضيق الأفق، وينسون أن المقالة قبل كل شيء رؤية شخصية، وليس دراسة علمية تحيط بالمعرفة من جهات العالم الأربعة، وأن المحفز إليها، والملهم لها قد يكون زقزقة عصفور أو خفقة قلب أو شربة ماء تماما كما تحفز الحروب والكوارث وشؤون الدولة والسياسة على الكتابة.
إن مساحة التعليق فكرة ممتازة نقلت القارئ من خانة التلقي السلبي الى خانة التفاعل الإيجابي، ومن المفروض أن يحسن القراء استغلالها دون الإساءة حتى في حالة الاختلاف، فالاختلاف له آداب وهو يثري المجتمع والأفكار، بينما النقد والتجريح معاول هدم تجعل المرء يصر على رأيه ولو كان مخطئا، وتأخذه العزة بالإثم، انتصارا لشخصه فهذه طبيعة النفس البشرية، والكلمة الطيبة تخرج حتى الحية من جحرها وغير ذلك سهام تصيب في مقتل.
إن نظرة سريعة للمساحات التفاعلية تكشف عن وجود الكثير من الغث في التعليقات وربما هذا انعكاس لتردي الحالة الثقافية والأخلاقية في المجتمع، فهل يضع الكتاب أقلامهم، يأسا من إصلاح الوضع القائم والذوق العام وحفظا لكرامتهم وماء وجوههم من أن يمسها اللاهون والعابثون والمتربصون؟! أم الحل ما وصفه الصحابي أبو الدرداء بالصبر وانتهاج سياسة النفس الطويل إذ قال: «أدركت الناس ورقا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكا لا ورق فيه، ان نصحتهم نقدوك، وان تركتهم لا يتركوك، قالوا: كيف نصنع؟ قال: تُقرضهم من عرضك ليوم فقرك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى