سئمنا التبريرات – نريد الإنجازات

 

إذا طلبنا من أحد أن يضع خطة عملية مُتقنة بعيدة المدى ومدروسة بشكل مهني وكل ما يلزم العمل الجدي والناجع، فطبعاً سيحتاج لوقت ليقوم بتحضيرها بالشكل الأفضل من ناحيته. لكن، لو طلبنا من أحد أن يبرر لنا أسباب تقصير ما أو إهمال ما يخصه هو أو يخص من حوله أو مسؤولين يسمع عنهم – فعادة يحتاج لجزيئات قليلة من الثانية الواحدة ويبدأ بسرد عشرات التبريرات والتحليلات والتفسيرات. وهو يقنع نفسه طبعاً عند سردها أنه هو لا علاقة له بها. ويعتبر أنه لو “كان الأمر بيده” لاستطاع تغيير كل شيء. والعجيب أن كلنا ننتقد هذا التصرف. لكن نجد التبريرات لاستمراره.

المشكلة تصبح خطيرة جداً عندما يصبح هذا التصرف (الانشغال بالتبريرات فقط) هو أيضاً منهج عمل مؤسسات رسمية وحكومية وجماهيرية، التي من واجبها ودورها الأصلي المعرّف أن تلغي التبريرات وتنشغل بالتطبيقات – وليس أن تتعلق بالتبريرات وتجعلها جزءاً من دستورها.

عندما نحلل أسباب نجاح دول أو شركات أو مؤسسات معينة، نجد هناك قاسماً مشتركاً لهم جميعاً: إدارات هذه الأطر لا تصرف سعرات حرارية على تبريرات تافهة وزائدة أو تختلق أعذاراً لإهمالها أو تباطئها أو عدم نجاعتها ونفعها للمجتمع. كلّ تركيزها على تحقيق الإنجازات وتحقيق الأهداف التي تضع كأحد بنودها الرئيسية أنه “لا وقت للأعذار والتبريرات”.

“اعقل وتوكل” – نرددها كثيراً. “اعقل” جاءت قبل “توكل” (في قصة الرجل وسؤاله هل يعقل (يربط) ناقته متوكلا على الله ليحميها أم يربطها بكل حال). واضح أن في خلفية كل أعمالنا يجب أن نأخذ بالأسباب وأن “نحترم” ظروفاً معينة وندرك التعامل معها وعند حدوثها. لكن التوجه الذي يركز على التوكل الصادق على الله (وهذا أساس في عقيدتنا) يجب أن يسبقه العقل، بالمعنيين: معنى أن تفعل ما يجب فعله وأن تشغل عقلك بالتصرف الأصح وتنفذه – وبعدها تَوَكَّل على الله، فتكون قمت بذلك بالشكل التام والصحيح.

انشغال بعض البلديات مثلاً والمجالس المحلية والمؤسسات الجماهيرية بالتبريرات وتوفير الأعذار لعجزهم ولعدم استطاعتهم القيام بمشاريع عديدة – أمر مزعج جداً يدفع كل فرد من أفراد مجتمعنا العربي ثمنه. وفي المجتمع العربي تعمل العاطفة دوراً هاماً وسلبياً في هذه الحالة. كيف لهذا علاقة؟ يكفي أن يفسر ممثل رسمي “تقصيره” الجذري لأداء دوره بتبريرات وأعذار تعمل على العاطفة وعلى أنه هو يعمل “أقصى جهده”، لكنه هو “لا يقرر” ولا يستطيع التغيير وغيرها من الأعذار المعروفة.. فيتعاطف معه المواطن “ويتفهمه” ويُلقي اللوم على من لا علاقة له بالضرورة بالتقصير، وفي نفس الوقت يحصل ذلك الممثل على راتبه كاملاً، رغم التقصير. يجب أن نكون واضحين في هذا الموضوع: أي صاحب وظيفة معدة لخدمة الجمهور والذي يجعل التبريرات والأعذار (لعدم استطاعته القيام بدوره) منهجاً لكلامه وأقواله وأفعاله – عليه أن يستقيل وأن “يسلم المفاتيح” ويسلم الوظيفة لأحد غيره يستحقها وتستحقه.

في كل فترة زمنية متاحة، يمكن استغلال الظروف المتاحة لتحقيق الإنجازات. وقت الانشغال بالتبريرات والأعذار هو وقت ثمين يمكنه أن يدل على عدم ملاءمة أشخاص معينين في وظائف معينة. يجب أن نطمح وأن نوفر الظروف لتصبح أعمال مؤسساتنا جميعها معتمدةً على خطط عملية واضحة وناجعة تصب في مصلحة مجتمعنا الغالي، ولخدمته الإيجابية أولاً.

وجميل أن يدرك المسؤولون أيضاً أن أحد الأمور الرائعة التي تميز المجتمعات الناجحة هو: انه عندما يشعر ويتأكد بالفعل مواطنو تلك المجتمعات الناجحة أن أصحاب الوظائف الجماهيرية والسياسية يقومون بدورهم بإخلاص وإتقان ومهنية وشفافية – هم بأنفسهم (المواطنون) سيساعدون المؤسسات والقائمين عليها ومن يديرونها على النجاح أكثر وأكثر. وذلك لمجرد أنهم هم أنفسهم لم يجدوا أي تبرير أو عذر لعدم فعلهم ذلك ودعمهم لاستمرار النجاح.

بتواجد التبريرات والأعذار التافهة – نجد التذمر والفشل والتقصير. وعند انعدامها ومحاربتها عن طريق تحقيق الإنجازات رغم كل الظروف – يبدأ الجميع بتذوق طعم النجاح الحقيقي بشكل شخصي واجتماعي. وهذا ما نحتاجه وعلينا توفيره للأجيال القادمة. لسبب بسيط: لأننا سئمنا التبريرات – ونريد الإنجازات. لا وقت ليكون كليهما معاً. والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى