ضمان رمضان

تخيّلوا لو أن شهر رمضان المبارك غير موجود في حياتنا ولا يُطلّ علينا كل سنة. هل هناك حاجة لشرح وضعية نفسيّاتنا وقلوبنا وعقولنا وصلتنا وعلاقاتنا بين أنفسنا وبين خالقها وبين المخلوقات جميعًا، لو أنه فعلًا لا يوجد “رمضان”؟ كم من تخيل سلبي يطفو الى سطح إجابتنا المتوقعة بمجرد التفكير بهذه الإمكانية، التي نحمد الله أنها خيالية.
رمضان هنا. ولسبب. رمضان هنا كل سنة بفضل الله وبضمان من الله. ولسبب. ولعلّ أهم أسباب ضمان وجوده إلى يوم الدين: إلزامنا بقيادة النفس – بكل معنى الكلمة. وبعد أن أعطيت كل معايير قيادة النفس في ديننا العظيم. وبفضل الله – دعينا “اللهم بلغنا رمضان” وقد بلّغنا إياه. الحمد لله. لكن – هل تمت عملية قيادة النفس بنجاح حتى الآن؟ رمضان شهر القيادة الحقيقية لكل شيء. لأنه بمجرّد تولّيت القيادة وأتقنتها – إذًا تحلّيت بالقيادة الحقيقية. ويبقى أن نذكر بوضوح ميزات هذا الشهر وأن لا نأخذها مفهومة ضمنًا.
رمضان كما نعلم شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار. ننتظر هذا الشهر وبدايته التي تغمرها أيام رحمة لكل المخلوقات والأكوان. فللرحمة عدة أشكال وعدة طرق للتعبير عنها واستفادتنا منها. وكم نحن بحاجة لرحمة رب العالمين في كل شيء. فالكثير منا أحياناً يتصرف في هذه الدنيا ويدير أموره ويقرر قراراته ولا ينتبه الى مفهوم رحمة الله عز وجلّ عليه, في تيسير الأمور وحل المشاكل وتدبّر الأمور.
بلغنا رمضان ونريد أيام المغفرة المكثفة. تلك المغفرة التي نفتخر بطلبها من خالقنا, ونحن ننشغل الوقت الكثير في دنيانا وأمورنا الحياتية. فلولا هذه المغفرة لاشتدت الصعاب بما لا نطيق, فالاستغفار سلاح المؤمن كما تعلمنا نظريًا وجرّبنا عمليًا. ونعلم أن هذا الشهر هو الشهر الذي نطلب ونرجو به وبشكل مكثف العتق من النار, كي لا نكون من الخاسرين في هذه الدنيا. ويا لها من خسارة. فالوقت الثمين الذي نقف به على أرض هذه الدنيا ونعمل بها ما نعمل – هو كنز يجب أن نستثمر به أفضل الأعمال, لنا ولمجتمعنا. استغلال أيام هذا الشهر بالخير والطاعات يجب أن يكون الهدف الأول – في كل عمل وفي كل خطوة وفي كل قرار أياً كان – وهو من أهم أسس الابتعاد من النار والفوز بالجنة بإذن الله.
علينا أن نستغل أيام رمضان أيضًا كي نتذكر ونشعر يومياً بغيرنا في بقاع الأرض المختلفة. كي نشعر بمعاناتهم وصعوبة معيشتهم، وليس فقط كشعارات وأخبار مارة. ليس فقط بالصوم عن الطعام وتحدي الجسد بالعطش والجوع، إنما التأمل بوضعنا نحن, والتفكّر بسبب اختيار هذه الحياة الآنية لنا نحن بالذات, وهل نستغلها لمنع معاناة الغير ولنشر الخير.
كلنا بحاجة الى شحن الطاقات الإيجابية بشتى أشكالها وتأثيراتها علينا وهذا الشهر هو خير وقود هذه الطاقات. وكم يَسعَد كل من يستغل هذا الشهر للراحة النفسية والمعنوية والجسدية وللتمتع بطمأنينته الخاصة ونعم الله به ولتكريس الوقت للعمل والعلم. فبمجرّد حلّ علينا رمضان وللأوكسجين معنى في جسدنا، فيجب أن تنتفض به خلايا أرواحنا وأجسادنا لتستعد لباقي أشهر السنة التي تشتاق جميعها لرمضان. فإذا تعاملنا مع هذا الشهر الفضيل كل التعامل الصحيح والسليم بإدراك المفاهيم الخاصة بحلوله والنوايا والأعمال التي يُحفزنا عليها, لتمنينا أن تكون كل أيامنا رمضان.
ومن أهم اللحظات هي إدراك دور هذا الشهر العظيم في تحويل كلمة العائلة لعائلة بكل معنى الكلمة وكلمة المجتمع إلى مجتمع فعلًا وكلمة الأمة الى الأمة حقًا. فتكون اللقاءات الطيبة بين أفراد العائلة والحي والبلدة والبلاد والمجتمع بأسره. وبه يشعر الإنسان بأخيه الإنسان دون أن ينسى الرحمن, وبنفس الوقت يشعر حلاوة درجات الإيمان وينوي نوايا جديدة ويضع أهدافاً سامية جديدة, يلتزم بها بأن يستفيد منها أيضاً غيره من أفراد المجتمع.
نسأل الله أن نكثر من الدعاء المصحوب بالعمل وأن نكثر من أعمال الخير والعبادات والطاعات وأن نقوم بالتنسيق المطلوب والحقيقي بين نوايا الإيمان والقيام بخير الأعمال.
اللهم بلغتنا رمضان، فأعِنّا على إعداد أنفسنا فيه خير وأفضل إعداد لنشاطات حياتنا التي نسألك أن توفقنا بها الى ما تحبه وترضاه, وأن تختار لنا الأفضل وأن ترضَ عنا وتُرضنا في الدنيا والآخرة يا كريم. وأن تجعل أيامنا كلها رمضان. والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى