عدل عمر بن الخطاب

كان عمر بن الخطاب لا ينام من الليل إلا قليلاً ولا ينام النهار، وعندما سأله الناس أجاب: “إذا نمت في النهار غفلت عن الرعية وإذا نمت في الليل غفلت عن عبادة رب العباد”. وذكر عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب” (حديث صحيح الإسناد). إن عمر من أعظم الرجال في التاريخ الإسلامي ولقّبه الرسول بـ “الفاروق” (لتفريقه بين الحق والباطل)، وهو ثاني الخلفاء الراشدين بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو مثال الشهامة والعدل والإنصاف والزهد والتقشف والاستماتة في إيصال الخير إلى كل فرد من أفراد الرعية. أما الصحابة فنادوه بـ “أمير المؤمنين” بعدما أقنعوه أنه لا يصح أن يسمى “خليفة خليفة رسول الله”. حقًا إذا ذُكر عمر بن الخطاب ذُكر العدل وإذا ذُكر العدل ذكر عمر. وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه”. ومن أهم روايات العدل والتقشف وإقامة الحدود في عهد عمر:

1) رواية “رسول كسرى” – عندما أرسل كسرى ملك الفرس رسولًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل المدينة وسأل أهلها: “أين ملككم؟” فأجابوه: “ليس لدينا ملك بل لنا أمير ربما تجده في ظاهر المدينة”. ذهب الرسول الفارسي إلى هناك فوجد عمر نائمًا في الشمس على الأرض فوق الرمل وقد وضع عصاه كالوسادة والعرق يتصبب من جبينه، فلما رآه على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه وقال: “رجل تهابه جميع الملوك ويكون على هذه الحالة!! ولكنك عَدَلتَ فأمنتً فنمتَ يا عمر”. وفي أعقاب ما رأى الرسول الفارسي أعلن اسلامه.
أليست هذه قمة التواضع يا زعماءنا ويا رؤساءنا؟ أم أن فرشة “عميناح” أصبحت موضة قديمة بالنسبة لكم؟

2) رواية “ابن الأكرمين” – عندما كان عمر بن العاص (والذي فتح مصر وأسس مدينة الفسطاط) واليًا على مصر في عهد عمر بن الخطاب تسابق أحد الشبان المصريين (يقال أنه قبطي) مع ابن عمرو بن العاص فسبقت فرسه فرس ابن عمرو بن العاص فغضب ابن عمرو وضرب المصري بالسوط وهو يقول له: “أتسبق ابن الأكرمين”؟ احتج المصري على هذا الظلم وذهب إلى المدينة وشكى أمره إلى عمر بن الخطاب فأرسل أمير المؤمنين إلى واليه في مصر طالبًا حضوره وحضور ابنه. وعندما مَثُل الأب والابن أمام أمير المؤمنين عمر قال للشاب المصري خذ السوط واضرب ابن عمرو، اضرب “ابن الأكرمين” فأخذ المصري يضرب بالسوط حتى اكتفى، فقال عمر للمصري ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: “يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو بن العاص: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، فقال عمر يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني”.
لو أخذنا هذه الحادثة وطرحناها على أرض واقعنا لوجدنا أن أبناء حكام الدول العربية باستطاعتهم ليس فقط ضرب المواطنين بل قتلهم، وعلى الصعيد المحلي في قرانا نجد أن هناك عائلات ترى نفسها فوق القانون ولا يحتج أحد على ما تفعله إلا بسرية تامة وعلى حياء، هذا إذا احتج أو اشتكى أصلًا.

3) رواية “العجوز العمياء” – قال طلحة ابن عبدالله أنه خرج عمر بن الخطاب في سواد الليل فتبعته فدخل بيتًا فلما أصبحتُ ذهبت إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقلت لها: “ما بال هذا الرجل يأتيك فقالت إنه يتعهدني مدة كذا أو كذا يأتيني بما يصلحني ويُخرج عني الأذى (أي الأوساخ) فقلت لنفسي “ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع”؟.
الحمد لله لقد وجد رجل من باقة يأتي إلى عاجز مقعد فيحممه ويلبسه ويرش عليه العطر ويطعمه ويسقيه. ولكن أين علية القوم؟ أين الأسد (ملك الحيوانات) والذي يأكل كل يوم العشرات من أبنائه بعد إراقة دمائهم. أين مجموعات الحشد الشعبي الشيعية والتي تقتل الناس ليس إلا لكونهم من أهل السنة في العراق، إنها فعلًا تقوم بتطهير عرقي لأن أهل السنة عرب.

4) رواية “الطفل المفطوم” – في إحدى الليالي كان عمر بن الخطاب برفقة عبد الرحمن بن عوف وكانا يحرسان تجارًا قدموا إلى المدينة ونزلوا المصلى. كان الاثنان يحرسان ويصليان فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: “اتقي الله تعالى وأحسني إلى صبيك” ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاء الطفل مرة أخرى فعاد عمر مرة أخرى إلى الأم فقال لها مثل ما قال قبلها. فلما كان آخر الليل سمع عمر بكاء الصبي فجاء عمر ووبخ الأم فقالت له، وهي لا تعرفه: ” إني أشغله عن الفطام فيأبى ذلك (يعني أنها تحاول فطامه وهو يرفض ذلك)”. وعندما سألها عمر: ولمَ؟، أجابت: لأن عمر لا يفرض النفقة إلا للمفطوم، قال: وكم عمر ابنك هذا، قالت: كذا وكذا شهرًا فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام”. فلما صلى عمر الصبح كان يبكي ويقول: بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ثم أمر مناديه فنادى “لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض نفقة لكل مولود في الإسلام” وكتب بذلك (أي أن النفقة كانت تُدفع سابقًا للأسرة حسب عدد أولادها المفطومين أما الآن فستدفع لكل مولود دون علاقة بالفطام).
بالله عليكم مَن مِن حكام الدول العربية في عصرنا يتألم بتألم أبناء شعبه؟ وكم من رؤساء السلطات المحلية يسألون عن رعيتهم؟ وإذا سألت عنهم يقول لك الموظفون إنهم في طابة، في العقبة، في الأردن، في أنطاليا، في أوروبا.. إلى آخره. وأما نحن المواطنون فقد فُطمنا على الحزن والأسى ومظالمنا لا تقدم إلا إلى الله وحده.

5) رواية “العجوز” – كان عمر يطوف شوارع المدينة متخفيًا ومتسترًا ليتعرف أخبار الرعية فرأى عجوزًا فسلم عليها وقال: “ما فعل عمر؟” فقالت: “لا جزاه الله عني خيرًا” فقال: “ولمَ؟” قالت: “لأنه، والله ما نالني من عطائه منذ وُليَ أمر المؤمنين دينار ولا درهم”، فقال لها: “وما يدري عمر وأنت في هذا الموضع؟” فقالت: “سبحان الله، والله ما ظننت أن أحدًا يُولّى على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها “. فبكى عمر ثم قال: “وا عمراه كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر”، ثم قال لها: “يا أمة الله بكم تبيعيني ظلامتك من عمر؟ فإني أرحمه من النار” فرفضت ولكنه ألح عليها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينارًا من ماله الخاص وأشهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود.
فهل سيكفي مال الأرض وكنوزها رؤساء سلطاتنا المحلية وحكام الدول العربية ليشتروا فيها ظلامات الناس؟

6) رواية “أم الأيتام” – بينما كان عمر يتجول ليلًا متخفيًا متفقدًا الرعية وإذا به يرى نارًا أوقدتها أم لأولادها الذين ألحوا عليها في طلب الطعام، فقامت بوضع قدرة على النار وفيها حصى ووعدت أبناءها بتجهيز الطعام وهي تبغي من وراء ذلك أن يناموا جوعى لأنه لا يوجد شيء يأكلونه، وكانت المرأة تقول: “تعاليت يا رب انصفني من عمر فهو شبعان ونحن جياع”. تألم عمر وقال للمرأة اصبري قليلًا حتى أعود. وذهب عمر إلى مخازن الدقيق وطلب من الحارس أن يحّمل الكيس على ظهره، أصر الحارس أن يحمل الكيس على ظهره هو ولكن عمر قال له:” أحمل عليّ الكيس فلست أنت من سيحمل عني ذنوبي يوم القيامة لو سألني ربي عن أم الأيتام”. وفي رواية أخرى قيل أن عمر حَمل جرابين على ظهره، الأول فيه دقيق للخبز والثاني فيه أرز وحمص ودهن. طلب عمر من مرافقه زيد بن أسلم جمع الحطب وحضر أكلًا أكل منه الأولاد وأمهم. ولكن عمر أصر على شراء ظلامتها من ماله الخاص واشتراها منها ب 600 درهم وطلب منها أن تسامحه على غفلته.

لو أخذنا رواية “أم الأيتام” في أيامنا لوجدنا أن كلاً من نوعية الحكام ونوعية الرعية قد تغيرتا وتغيرت مطالبهما ومتطلباتهما، فها هي امرأة من “العائلات المستورة” في باقة تشتم، بكلمات نابية، موزّع الزكاة وتجبره على إعطائها مبلغًا ماليًا قدره 500 شيكل لأنها تحتاج هذا المبلغ بشكل مُلح. وفي اليوم التالي شوهدت تلك المرأة في أشهر محل الأحذية في البلدة وهي تشتري حذاء “بوت نايك” لابنها بـ 500 شيكل. أيصح ذلك؟! خصوصًا وأن هناك عائلات محتاجة حقًا؟؟ ألا يلطخ ويشوه ذلك اسم “العائلات المستورة” بشكل عام؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى