هل نحن بحاجة للمدارس؟ 1

على مدار 12 سنة نرسل أطفالنا ثم صغارنا ثم شبيتنا الى المدرسة. في الأسبوع القادم ستنتهي رسميًا السنة الدراسية الحالية في المدارس (وبما أن شهر رمضان حلّ خلال آخر شهر بها، فقد انتهت عمليًا منذ أسابيع بسبب نسبة الحضور القليل). لكن ثمة سؤال لا نسأله كثيرًا – لماذا؟ لماذا نرسل أبناءنا وبناتنا الى المدارس؟ هل فكرنا بشكل عميق لماذا كنا نحن في المدرسة؟ وما علاقة المدرسة بحياتنا اليومية اليوم؟
الجملة السائدة عند العديد من الذين أنهوا مرحلة المدرسة في حياتهم هي أن الحياة علّمتهم الحياة، ولم يتبقّ شيء من المدرسة في حياتهم الآنية سوى بعض الأصدقاء والذكريات، لكن بكل حال لا علاقة لهذه الذكريات بمواد التعليم التي درسوها وأفنوا سنين من عمرهم للدراسة لامتحاناتها. مهم التوضيح هنا أن تعلّم المواد الدراسية المتنوعة في المدرسة هو أمر هام جدًا، لكن القصد أنه لا يخدم النجاح في الحياة الحقيقية التي تدمج بين المهارات الشخصية والمهنية وكذلك الإجتماعية. في هذا الدمج – القدرات والمهارات الشخصية والجانب الاجتماعي وتنمية الشخصية القوية والمستقلة – كان الفشل الكبير لما كان يمكن للمدارس الحالية أن تنجح فيه.
هناك من عرّفوا أن الفرق بين “الطالب الناجح” و”الطالب الفاشل” هو فقط دقيقتان: “الطالب الناجح” هو من يستطيع أن يتذكر مادة الإمتحان حتى دقيقتين من انتهاء الامتحان، بينما “الطالب الفاشل” يستطيع تذكر المادة حتى دقيقتين قبل الامتحان أو أنه لم يدرس بتاتًا. هل هذا هو فعلًا المعيار الوحيد لتعريف من سينجحوا في الحياة نجاحًا باهرًا ومميزًا؟
في أحد البرامج أحضروا عشرات المدراء الناجحين ليتقدموا من جديد الى امتحانات البجروت (بعد أن انتهوا منها قبل سنين عديدة..) فكان المعدل الأعلى لعلاماتهم 45 من 100. وهذا مع مراعاة التصليح.. القصد أن ذلك كان إثباتاً لعدم نجاعة المواد التي درسوها في حياتهم الآنية التي ثبت نجاحها وتميزها من جوانب عديدة، لم تتطرق آليات المدارس إليها أصلًا. إذاً ماذا فعلنا كل هذه السنين في المدارس؟ هناك أمور حصلت بالتأكيد – مثل “تعلم” العديد أن يجلسوا بهدوء تام لمدة 45 دقيقة وكسب أصدقاء وذكريات جميلة ترتبط بمعظمها بمواقف كان للأشخاص بها (معلمون أو طلاب) مواقف تصرفوا بها بشكل إنساني راقي اعتمد على الاجتماعيات الإيجابية، فأثرت على نفسيتهم فرسخت في الذاكرة. وهناك ظاهرة متكررة بشكل عام – لماذا ينجح العديد من الذين لم تستطع المدارس أن تحويهم ويصلون إلى إنجازات رائعة في كبر سنهم. كل هذا يتعلق بالمفهوم الحقيقي المطلوب في جيل المدرسة. هل تدرك المدارس فعلًا لماذا يجب أن نتعلم ما نتعلم؟ وهل تربط هذا العلم بالحياة “الحقيقية” التي تنتظرنا فور انهاء الحياة المدرسة لتبدأ بعدها الجامعية والمهنية والعائلية والمجتمعية؟ وهل تخدم تنمية الإبداع وتوفير أدوات تطبيقه الواقعي؟ وهل فعلاً تقوم بترسيخ قيم ومبادئ بالشكل الصحيح؟
لكي تنجح المدارس – يجب أن يتم تعريف معيار النجاح، أليس كذلك؟ ومن يقرر ما هو المعيار؟ فإذا كان المعيار هو العلامات فقط فيمكننا توقع طبيعة هذا المجتمع الذي يتعامل مع الأشخاص فقط كعلامات. أما إذا وضعنا معاييرًا إضافية أو حتى بمرتبة تفوق العلامات كالقين والمبادئ العملية – إذًا سيتم توجيه الطاقات الى تحقيق ذلك. وكل هذا لكي نتحدى ظاهرة “الطّمس” – طمس القدرات والمهارات الفردية بحجة العلامات أو الإمتحانات أو التصرفات. إذا كانت ظاهرة الطمس مرتبطة بالمدارس فهذا يدل على ضرر يحصل بسبب المدارس وليس أن وجودها عملي وحيوي. وقد رأينا حالات مخزية لتزييف علامات وسرقة امتحانات والخ.. لكن لو وضعنا القيم والمبادئ الراسخة أولاً ولكل فرد بشكل شخصي، هل يمكن تزييفها؟ بالطبع لا. فهي التي ستجعل أصلًا كل الأمور والمهام الأخرى سليمة وصحيحة، بما فيها طرق فحص إدراك المواد التي يتم تعليمها.
في المقالات القادمة سأتطرق لدور المدارس الحقيقي في حياتنا – الموجود والمطلوب. وبكل جرأة. والله الموفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى