مقالة: الزكاة وآثارها الاقتصادية (قيصر اغبارية)
قيصر إغبارية – مستشار اقتصادي للعائلات والمصالح
مدير معهد سمارت للتدريب والاستشارات
إن الله تعالى ما شرع شيئا إلا من أجل تحقيق مصلحة العباد، فالله غنيّ عنا ونحن الذين نفتقر إليه تعالى {يا أيّها الناسُ أنتمْ الفقراءُ إلى اللهِ واللهُ هو الغنيُّ الحميدُ}.
ومن الفرائض التي شرعها الله تعالى لنا ولها العديد من الحكم والفوائد ومن الآثار الاجتماعية والاقتصادية، هي فريضة الزكاة؛ وبالأخص الآثار والفوائد الاقتصادية لأن الزكاة تُصنف ضمن الجانب الاقتصادي من الإسلام، لأنها تُعنى بجانب وشأن مهم من شؤون الاقتصاد، وهي أخذ المال من الأغنياء وإعطاؤها للفقراء والمحتاجين.
لقد ذكر العلماء لفريضة الزكاة حكما وآثارا وفوائد كثيرة وعديدة، وصُنفت في ذلك المصنفات، واُلّفت الكتب. ولكن قبل أن نذكر بعض الحِكم والآثار لا بدّ أن نعرف أن الزكاة هي فريضة إسلامية، وركن من أركان الإسلام العِظام، ينبغي أن نقوم بها ابتداء، قبل أن نتطلع إلى ما وراءها من حِكم وآثار، ثم بعد ذلك لا حرج علينا أن نبحث عما فيها من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وغيرها.
فالزكاة هي مما عُلم من الدين بالضرورة، وحتى قال العلماء: إن منكر الزكاة يكفر ويخرج من الملة.
ونقف وإياكم مع بعض حكم وآثار وفوائد الزكاة:
الزكاة تبارك المال
فمعنى الزكاة: النماء والزيادة؛ نماء للمال، فالمال التي تُخرج منه الزكاة يبارك الله فيه، ويكون خيرا لصاحبه ومنفعة له، أما منع الزكاة فيؤدي إلى محق المال وإفساده. كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته”. وجاء في بعض الروايات: “يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال”. فحبس الزكاة سبب لمحق المال بالكلية، بينما لو أخرجت الزكاة لبورك بالمال، وكان نافعا لصاحبه، {يمحق الله الربا ويُربي الصدقات}؛ لأن الزكاة هي حق الفقراء، وليست منّة من صاحب المال، {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}.
الزكاة تعالج مشكلة حبس المال وكنزه وتحفّز على الاستثمار
ثم إنها الزيادة في المال ليست زيادة معنوية فقط، بأن يبارك الله تعالى بالمال، إنما زيادة حقيقة لأنها تُحفز على الاستثمار وتشغيل الأموال، فالإسلام يحثّ على تشغيل الأموال وتحريكها، وذم وحرّم كنز المال وحبسه، ويجب أن يُشغل وينتفع به أكبر عدد من الناس، ويجب على الغني أن يشارك الآخرين في الأثر الإيجابي للمال، ولقد توعد الإسلام على من يكتنز المال ولا ينفقه في سبيل الله، فقال تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب إليم}، ولكن ما هو الكنز المحرم؟ هل هو مجرد الاحتفاظ وادخار المال. قال العلماء: الاكتناز المحرم هو المال المدّخر الذي لم تُؤدّ زكاته. وفي الحديث قال الرسول r “مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ ، لَهُ زَبِيبَتَانِ ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ – يَعْنِى شِدْقَيْهِ – ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ” ثُمَّ تَلاَ {لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ..}؛ فالحديث بيّن أن الكنز هو عن المال الذي ادخر ولم تُؤدّ زكاته. وقال عمر (رضي الله عنه): “ما أديت زكاته فليس بكنز” أي الكنز المحرم الذي نهى عنه تعالى.
ولكي يعالج الإسلام مشكلة كنز الأموال وتعطيلها عن العمل وهي المشكلة التي حيرت الاقتصاديين والأنظمة الاقتصادية، فحتى تُحلّ هذه المشكلة فرض الإسلام الزكاة على الأموال النقدية المكتنزة سنويا بمعدل 2.5%، وهذا يؤدي عمليا إلى دفع المسلم لتفادي النقص المحتمل في ثروته عن طريق استثمارها حتى يحقق عائدا يغطي – على الأقل- نسبة الزكاة. وبذلك تكون الزكاة إحدى الوسائل العملية لمحاربة الاكتناز وتعطيل المال عن التشغيل والاستثمار، لهذا جاء الحديث: “ألا من ولي يتيما له مال، فليتجر فيه لا يتركه حتى تأكله الصدقة”. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الأوصياء باستثمار أموال اليتامى، فمن باب أولى أن ينمِّي الإنسان ماله ليدفع الزكاة من ربحه في سهولة ويسر، أما إذا لم يقم باستثماره وتركه عاطلاً كان للمجتمع حقه فيه وهو الزكاة التي تعتبر في هذه الحالة عقوبة على الاكتناز.
وقد لفتت هذه الخاصية نظر بعض الكتاب، فقد علق عليها بعضهم فقال: “لم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعيشية للمجتمع، والزكاة تعمل على سرعة دوران رأس المال إذ إنها تشجع صاحب المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله حتى يتحقق فائض يؤدي منه الزكاة، فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار”
فالزكاة إذن تحفّز على استثمار المال وتشغيله وتنميته بشتى الوسائل المباحة، حتى يدفع صاحب المال الزكاة من ربحه لا من أصله، وبذلك تكون الزكاة قد حلت مشكلة أعيت علماء الاقتصاد.
الزكاة تسهم في علاج الركود الاقتصادي
فالزكاة التي هي في الظاهر نقص في المال، لكنها في الحقيقة زيادة في مال مجموع الأمة وزيادة في مال الغني، وهذا ما تفعله الدول عندما يحصل أزمات وموجات كساد فتقوم بضخ الأموال لصالح الفقراء والطبقات المحتاجة لتخلق قوة شرائية وتصرف الناتج من السوق والعرض الزائد وتقضي على الكساد. وهذا ما حصل عندما حدثت أزمة الكساد العظيم (1929 – 1933) دعا “كينز” إلى ضخ الأموال لصالح الفقراء، وكينز هو رأسمالي ولا يهمّه الفقراء لكنه يريد أن ينقذ الاقتصاد من الكارثة التي حلت به، وحتى لا تتوجه الدول الرأسمالية إلى الاشتراكية التي كانت في أوج تألقها.
فالزكاة إذا نظرنا إليها على مستوى الاقتصاد الكلي لا الجزئي فهي زيادة ونماء للاقتصاد وإنقاذ له من حالة الركود ودفعه إلى الانتعاش والازدهار.