الأزمة السورية في المرحلة الجديدة
اعتدنا على استخدام مصطلح المعارضة في سوريا بارتياح كبير. والتعامل معه كمصطلح تضمن وحظي بالشكل ذاته عن المعارضة لدى الجميع. غير أن استخدام مصطلح المعارضة بهذه الصيغة الفردية لا يمت للواقع بصلة. نتيجة لوجود أنماط ومجموعات مختلفة من المعارضة في سوريا. بالإضافة إلى مجموعات الجيش السوري الحر، ومعارضة عملية درع الفرات، وجبهة النصرة، وداعش، ومعارضة القاهرة وموسكو، وحزب الاتحاد الديمقراطي التي تعمل وفق أولويات وتوقعات ورؤى ومهمات مختلفة. وبينما يطالب بعض تلك المجموعات بتغيير النظام والإدارة الحاكمة معاً يطالب البعض الآخر بتغيير الإدارة فحسب. في حين تطالب معارضة القاهرة وموسكو إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي بإعادة هيكلة النظام الأساسي لتقاسم السلطة وإصلاح النظام السياسي بدلاً من تغيير الإدارة.
وفي هذا الإطار، نالت خاصية التداخل بين رؤى ومطالب حزب الاتحاد الديمقراطي ومعارضة القاهرة – موسكو مع مشروع الدستور الذي وزعته روسيا على المشاركين في مؤتمر أستانة والذي عكس رؤيتها تجاه حل الأزمة في سوريا. ولكن العرض لم يقترح تغيير السلطة الحاكمة. بل اقترح حكم ذاتي ثقافي داخل البلاد وإجراء إصلاح بالنظام السياسي. كما تضمن المشروع المتضمن تسليم العديد من الصلاحيات التي بحوزة رئيس الجمهورية إلى البرلمان عكس التنوع السكاني المذهبي والعرقي في سوريا على توزيع الوظائف داخل مؤسسات الدولة. وتخطيطه وضع حصص محددة من أجل كافة الفئات القومية.
هذا وقد رفض الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مع الهيئة العليا للمفاوضات الإطار الأوسع للمعارضة السورية هذا العرض المتداخل بين رؤى حزب الاتحاد الديمقراطي ومعارضة القاهرة وموسكو المطلعة على الأزمة السورية عبر مسائل الإصلاح السياسي وتقاسم السلطة. كما لم تستجب الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني لدعوة روسيا الراغبة في جمع الجناح السياسي للمعارضة السورية في موسكو من أجل تسريع جدولها الزمني في سوريا. فضلاً عن مشاركة رندة قسيس من منصة أستانة ذات العلاقات الوثيقة مع لافروف وقدري جميل من معارضة موسكو وجهاد مقدسي المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية وخالد عيسى ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في فرنسا وعلي عبد السلام ممثل موسكو. حيث التقت في باريس مع ابن ترامب وبعض الأسماء التابعة للمعارضة السورية والمقربة لروسيا في 11 تشرين الأول الماضي.
وبعيداً عن عملية أستانة يظهر الاجتماع ومشروع الدستور ما يلي: أولاً، بالرغم من الخلافات التي بينها وبين إيران لم تشهد تغيراً في القراءة الروسية للأزمة السورية. مما يعني وجود حالة من الديمومة هنا. وبالتالي يشكل منح ضمانات ثقافية وسياسية لجميع الفئات القومية إلى جانب نقل السلطة من المركز إلى المناطق المحلية، وإصلاح النظام بدلاً من تغييره، المحور الأساسي للحل السياسي الروسي. ثانياً، تظهر طبيعة اجتماع موسكو، إلى جانب عملية أستانة، مواصلة روسيا مساعيها لتشكيل المعارضة السورية. ومثلما شكل تدعيم النظام في سوريا هدفاً أولياً لدى روسيا في سوريا منذ أيلول عام 2015 وفق مبدأ المنفعة المتبادلة، يتوقع أن يصبح تشكيل المعارضة المقبولة إحدى الأهداف الرئيسية لروسيا في المرحلة الجديدة. ثالثاً، بالرغم من تقاربها مع تركيا لم تتخلى روسيا عن حزب الاتحاد الديمقراطي. كما ينبغي التذكير دائماً أن روسيا وعلى العكس من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا تعتبر بي كي كي تنظيماً إرهابياً. وبناء عليه لا يزال الخلاف موجود بين روسيا وتركيا في إطار المساعي لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
وبعيداً عن روسيا تستعد الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الموضوع السوري أيضاً. وتجلى ذلك في مناقشة ترامب للملف السوري بمجرد توليه السلطة.
فقد طلب الرئيس ترامب في القرار الرئاسي من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكية إعداد خطة مشروع إقامة مناطق آمنة في سوريا والبلدان المجاورة خلال ثلاثة أشهر. فضلاً عن إصداره أوامر إلى وزارة الدفاع بإعداد “خطة للقضاء على داعش في سوريا والعراق” خلال 30 يوماً.
وبذلك تظهر هذه المحاولة الأولى عدم وجود تفاوت كبير بين الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة السابقة بشأن قراءة الأزمة السورية. والفرق الوحيد هو مواصلة الإدارة الحالية السياسة التي طبقتها الإدارة السابقة بكثاقة أكبر ووفق أدوات جديدة.
وبمعنى أدق يعود تراجع إدارة ترامب إلى أمرين اثنين هما: إيقاف الحرب وموجة اللاجئين والإرهاب. ولهذا سيسعون إلى حل هاتين المشكلتين باستراتيجية تعتمد على المناطق الآمنة وحرب أشد ضراوة مع داعش.
ولكن كلاهما سيؤديان إلى إثارة مخاوف تركيا. أولاً، يتوقع توجيه مسعى الولايات المتحدة الأمريكية نحو تحقيق تقدم سريع ضد داعش إلى العمل بكثافة أكبر مع المجموعات المتعاملة معها إلى الآن. وبهذا الخصوص هناك احتمال قوي بأن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بكثافة أكبر مع قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل العامود الفقري لقوات حماية الشعب الكردي. إضافة إلى تعزيز موقف الراغبين بالتعاون مع تلك القوات في البنتاغون من أجل عرقلة سيطرة عملية درع الفرات التركية على مدينة الباب، والمطالبة بدعم القوات الروسية والأمريكية وتوفير منطقة شاسعة مساحتها قرابة 200 كم بين الرقة والباب.
وبالمقابل، تحدثت تركيا مطولاً عن فكرة المنطقة الآمنة. ولكن ما يثير قلقها هو احتمال وجود اختلاف بين نموذج المنطقة الآمنة التي تفكر إدارة ترامب بتطبيقها وتصورها عن تلك المنطقة التي تحدثت عنه فيما مضى. وبخاصة أننا لا نملك تفاصيل حول كيفية تخطيط إدارة ترامب لتلك المناطق الأمنة. ولكن السؤال الحرج هنا هو: هل تفكر إدارة ترامب إيقاف موجة اللاجئين عبر إقامة تلك المناطق الآمنة فحسب أم تخطط لتعزيز مناطق النفوذ الأمريكي في سوريا وتقوية حلفائها الناتجين عن مناطق نفوذها هذه؟ إذا كان الجواب هو الأول فإنه يبين إمكانية تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا، أما إذا كان الثاني فسيوفر أرضية خصبة للصدام بين كلا البلدين. لأن المناطق الآمنة التي تفكر الولايات المتحدة الأمريكية بإقامتها ستسعى ربما إلى توفير مظلة أمنية لحزب الاتحاد الديمقراطي إن جاز التعبير.
مما يعني انتظار تركيا مرحلة صعبة في الملف السوري. وربما الانتقال إلى واقع سلبي جداً يحل محل التوقعات والأجواء التفاؤلية السليمة مع تولي ترامب للسلطة.