موقع بريطاني: رئيس تويتر التقى محمد بن سلمان بعد اكتشاف جاسوس سعودي
التقى الرئيس التنفيذي لشركة تويتر، جاك دورسي، وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعد ستة أشهر من علم الشركة العملاقة بأن جاسوساً، يشرف عليه أحد المقربين من الأمير، قد تسلل إلى الشركة، لتتبُّع معارضين للمملكة يكتبون آراءهم على تويتر.
وقال محامو أحد المعارضين السعوديين المستهدفين في هذه العملية، إن لقاء دورسي ومحمد بن سلمان يثير تساؤلات حول ما يعرفه الرئيس التنفيذي لشركة تويتر، التي شهدت استثمارات سعودية ضخمة في السنوات الأخيرة، ومتى عرف بشأن التجسس على معارضين للمملكة، وفقاً لما ذكره موقع Middle East Eye البريطاني.
اختراق حسابات على تويتر
وفي ديسمبر/كانون الثاني عام 2015، اكتشفت تويتر أن أحد مهندسيها، وهو مواطن سعودي يدعى علي الزبارة، يطّلع على البيانات الشخصية للمستخدمين، وذلك حسبما ورد في شكوى مقدمة إلى محكمة ابتدائية أمريكية في كاليفورنيا، الشهر الماضي.
وبعد أسبوع، نبَّهت الشركة عشرات المستخدمين إلى أن حساباتهم كانت ضمن مجموعة صغيرة من الحسابات التي «قد تكون مستهدفة من قِبل جهات ترعاها الدولة».
إلا أنه في يونيو/حزيران عام 2016، جلس دورسي مع وليّ ولي العهد آنذاك، وأوردت تقارير أنهما ناقشا الطريقة التي يمكن أن يتعاون بها الاثنان «لتدريب وتأهيل الكوادر السعودية»، وتحدثا عن استثمارات التكنولوجيا.
ووُثّق حوارهما بمدينة نيويورك في صور نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بدر العساكر، رئيس المكتب الخاص لمحمد بن سلمان، والرجل الذي يُعتقد أنه المسؤول السعودي الذي زعمت سجلات المحكمة أنه كان يشرف على عملية جمع البيانات داخل تويتر، وفقاً للصحيفة البريطانية.
ووفقاً للتفاصيل التي كُشف عنها في شكوى قانونية ثانية قدمتها الحكومة الأمريكية هذا الأسبوع، تبين أن الحسابات التي اخترقها الزبارة لم تكن بالقليلة، وأنه لم يكن بمفرده.
اختراق آلاف الحسابات
وقال مارك كليمان، المحامي الذي ينوب عن عمر عبدالعزيز، المعارض السعودي المقيم بكندا: «ما أثار دهشتي هو أنه حين تطّلع على الشكوى الحكومية، يتبين أن هذا الرجل اخترق 5500 حساب في يونيو/حزيران. وهذا ليس بالعدد القليل، وهو يثير تساؤلات حول ما رغبت تويتر وما لم ترغب في معرفته».
وأضاف كليمان لموقع Middle East Eye، أنه و «بن غارغوزلي»، المحامي الثاني الذي يمثل عبدالعزيز، فهِما أن «شخصاً من إحدى الوكالات الأمريكية» أبلغ تويتر عن الزبارة، قبل أن تمنحه الشركة إجازة إدارية أوائل ديسمبر/كانون الأول عام 2015.
وقال أيضاً إنه «من الصعب أن نتصور أن دورسي لم يعلم بهذا الأمر بعد ستة أشهر».
من جهته، قال مارك أوين جونز، محلل مواقع التواصل الاجتماعي، والأستاذ المساعد في جامعة حمد بن خليفة بقطر، إنه «من المستبعد كثيراً» ألا يكون دورسي قد علم أن وكالة مخابرات أمريكية حذَّرت شركته من أن جهات ترعاها الدولة تسللت إلى تويتر.
وأضاف في تصريح للموقع البريطاني: «قوة التهمة والحاجة إلى إجراء مناقشات رفيعة المستوى حول الأمن، والخصوصية، من شأنهما أن يجعلا هذا الأمر عنصراً رئيسياً في أي جدول أعمال».
وأشار إلى أنه في حال لم يكن دورسي يعلم بهذا الأمر، فإنه «يمثل مشكلة، ويثير تساؤلات حول كفاءة شركة تكنولوجية مثل تويتر».
تويتر تتهرب من الإجابات
وقال موقع Middle East Eye إنه أرسل قائمة من الأسئلة إلى شركة تويتر تشمل:
متى وكيف أصبحت تويتر على علم بأنشطة الزبارة؟
هل تعتقد تويتر أن جهة ترعاها الدولة استهدفت حسابات مستخدمي موقعها في ديسمبر/كانون الأول عام 2015؟
هل كانت تويتر تعرف في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، أن الزبارة كان يزود بدر العساكر، الذي كان على صلة وثيقة بالعائلة الحاكمة السعودية، ببيانات المستخدمين؟
هل أُعلم دورسي بأنشطة الزبارة وحقيقة أنه كان متورطاً في نشاط ترعاه الدولة؟ وإذا كان كذلك، فهل كان على علم بهذه الأنشطة حين التقى محمد بن سلمان في يونيو/حزيران عام2016؟
هل أبدى دورسي أي مخاوف بشأن الحادث مع محمد بن سلمان أو العساكر، خلال اجتماع يونيو/حزيران عام 2016؟
وأشار الموقع إلى أن شركة تويتر رفضت إعطاء إجابات محددة عن أي من هذه الأسئلة، ولكنها أصدرت بياناً عاماً على لسان متحدث باسمها، شكرت فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الأمريكية على دعمهما للتحقيق.
وقال غاراجوزلي، أحد محامي عبدالعزيز، إنَّ ردَّ الشركة «العام للغاية» يوضِّح كثيراً من الأشياء، مضيفاً: «لو كانت إدارة موقع تويتر واثقةٌ بموقفها، لانتهزت هذه الفرصة لتؤكِّد للجمهور ومستخدمي الموقع أنَّها تمتثل للإرشادات القانونية والأخلاقية».
مشاركة المعلومات مع السعودية
ووفقاً لشكوى قدَّمتها حكومة الولايات المتحدة في الأسبوع الجاري، وتتهم فيها الزبارة وشخصين آخرين بالتجسس لمصلحة السعودية، فقد اطَّلع المهندس على بيانات أكثر من 6 آلاف حساب طوال سبعة أشهر.
وكان يشارك المعلومات التي يتوصَّل إليها بانتظام مع أحمد المطيري، وهو مُسوِّق بمجال شبكات التواصل الاجتماعي في السعودية، ومعروفٌ كذلك باسم أحمد الجبرين واسمه مذكورٌ في الشكوى.
وتشير الشكوى إلى أن شركة المطيري تؤدي أعمالاً لمصلحة العائلة المالكة السعودية، ويبدو أنَّه يحظى بعلاقات وثيقة مع محمد بن سلمان.
وبعدما منحت إدارة تويتر الزبارة إجازةً إدارية، عاد إلى السعودية وأصبح الرئيس التنفيذي لمؤسسة مسك، وهي منظمة غير ربحية يرأسها العساكر، وتقول إنَّها تطور القادة الشباب في المملكة وتُشجعهم.
وتزعم الشكوى كذلك أنَّ أحمد أبو عمو، وهو موظفٌ آخر في تويتر متهمٌ بالتجسس، شارك بيانات اثنين من المستخدمين -أحدهما يُعتقد أنَّه صاحب حساب «مجتهد» المجهول، والثاني كان ينتحل شخصية أحد أفراد العائلة المالكة السعودية- في وقتٍ سابق من عام 2015، مقابل ساعة يد ذهبية قيمتها 20 ألف دولار والحصول على 300 ألف دولار.
وتشمل هذه البيانات المزعومة كلمات المرور، وأعياد الميلاد، وعناوين IP التي يمكن استخدامها لمعرفة مكان المستخدمين المجهولين وهويتهم.
في حين قُدِّمت شكوى أخرى منفصلة بالمحكمة نفسها في كاليفورنيا في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، باسْم عبدالعزيز، يتهم فيها شركة تويتر بانتهاك خصوصيته، وتعريض أفراد أسرته وأصدقائه ورفاقه السياسيين للسجن والتعذيب والموت.
تهديدات للمعارض عبد العزيز
وعبدالعزيز هو أحد أصدقاء الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي اغتيل على أيدي عملاء سعوديين بقنصلية بلده في إسطنبول، العام الماضي.
وسبق أن قال عبدالعزيز لموقع Middle East Eye، إنَّه يعتقد أنَّه كان من الممكن أن يلقى مصير خاشقجي نفسه.
وأضاف أن هناك عميلين سعوديين زاراه العام الماضي، في مدينة مونتريال بكندا حيث يعيش منذ عقد، وقالا له إنَّهما يعملان لدى سعود القحطاني، أحد كبار مستشاري محمد بن سلمان، وحاولا إقناعه بالعودة إلى المملكة.
وحين رفض عرضهما، قال إنهما حاولا استدراجه إلى زيارة السفارة السعودية في مدينة أوتاوا، للحصول على جواز سفر جديد، لكنَّ لم يذهب قط.ووفقاً للشكوى المقدمة في 18 أكتوبر/تشرين الأول، والموجهة كذلك ضد شركة McKinsey & Company الاستشارية -التي ذكرت اسم عبدالعزيز للمسؤولين السعوديين باعتباره أحد أهم الأصوات التي تُشكِّل الرأي العام- لم يكن عبدالعزيز من بين مجموعة المستخدمين الذين أخطرتهم إدارة الموقع في ديسمبر/كانون الأول من عام 2015، بإمكانية تعرُّض حساباتهم لأنشطةٍ ترعاها إحدى الدول.
بل تلقَّى عبدالعزيز رسالةً في فبراير/شباط من عام 2016، مفادها أنَّ هناك خطأً برمجياً أثَّر في أنظمة استرداد كلمة المرور الخاصة بـ «تويتر» 24 ساعة، في الأسبوع السابق، قبل إصلاحه.
وقالت الرسالة: «في التحقيق الذي أجريناه، اكتشفنا أنَّ هناك حساباً آخر اطَّلع على عنوان البريد الإلكتروني ورقم الهاتف المرتبطين بحسابك، وأردنا تنبيهك في أسرع وقت ممكن».
السعودية تقوي نفوذها في تويتر
ومن جانبه قال كليمان محامي عبدالعزيز، متحدثاً عن إدارة تويتر: «لم يقتصر الأمر على عبدالعزيز، بل تركوا كل هؤلاء الأشخاص بلا حماية، معتقدين أنَّه كان مجرد خطأ عابر آخَر في وادي السيليكون، دون أن يدركوا أنَّ شخصاً ما كان يستهدف هؤلاء الأشخاص».
وتُسلِّط الشكوى الضوء كذلك على الاستثمارات السعودية التي أُجريت بشركة تويتر في السنوات الأخيرة، والتي تضمَّنت شراء الأمير الوليد بن طلال حصةً كبيرة من أسهم الشركة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، قبل أن تمنح إدارة الشركة الزبارة إجازةً إدارية مدتها شهران، ذُكِر أنَّ شركة المملكة القابضة التي يمتلكها الأمير الوليد ضاعفت حصتها في شركة تويتر، لترفع بذلك حصته الإجمالية إلى أكثر من 5% من الشركة. وتؤكِّد الشكوى أنَّ حصته أصبحت أكبر من حصة دورسي.
غير أنَّ كليمان ذكر أنَّ العلاقة بين الطرفين تحمل منفعةً متبادلة، إذ قال: «لا يقتصر الأمر على استثمار السعوديين في تويتر بكثافةٍ، بل إنَّ شركة تويتر كذلك تستثمر استثماراتٍ كبيرة في المنطقة من حيث حجم استخدام الموقع، إذ تستفيد تويتر بشدة من عدد الأشخاص الذين يستخدمون الموقع ويعتمدون عليه في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وما إلى ذلك. لذا أعتقد أنَّ المنفعة متبادلة».
وأشار غاراجوزلي، المحامي الثاني لعبدالعزيز، إلى أنه بدلاً من أن تحمي إدارة تويتر مستخدميها، تسببت في إيذاء عديد من الأشخاص، إذ يبدو كما لو أنها سمحت للمملكة العربية السعودية، التي تمتلك حصة كبيرة في تويتر، بالوصول إلى بيانات عديد من المستخدمين.