الالتهاب الذي لم تعرفوه من قبل والذي يسبّب الكثير من الأمراض
غالبًا ما نصاب بالحساسية، أو الرّبو، نزلة برد، السليلة الأنفية (Nasal Polyps)، الأكزيما (Atopic Dermatitis) وجميعها ناجمة عن الالتهاب من نوع 2. البروفيسور مونا كيدون، أخصائية في طب الأطفال في مستشفى “شيبا”، تعرّفكم على هذا الالتهاب وتشرح كيفية ارتباطه بالنظافة الشخصية وكيف يمكن معالجة الأمراض التي تنجم عنه.
الكثيرون يعرفون ما هو الرّبو، الأكزيما والسليلة الأنفية كونها أمراضًا شائعة ومعروفة تصيب مئات الملايين من الأشخاص حول العالم. هناك المزيد من الأمراض المشابهة لها كالتهاب المريء اليوزيني (EOE)، حيث يعاني المصابون به من أعراض غير مريحة في الجهاز الهضمي كعسر البلع. هذه الأمراض ناجمة عن التهاب من النوع 2، ومن أجل فهم سبب حدوث كل هذه الأمراض، من المهم أن نفهم لماذا وكيف يحدث هذا الالتهاب.
“باستثناء الربو الحادّ وفي بعض الحالات حساسية الطعام أيضًا-فإن الأمراض الأخرى المتعلّقة بالعملية الالتهابية ليست أمراضًا تهدّد الحياة”، توضّح الدكتورة مونا كيدون، أخصائية في طب الأطفال والحساسية والمناعة ومديرة عيادة حساسية الأطفال في مستشفى “سفرا” في تل هشومير. “في الوقت نفسه، قد تمسّ هذه الأمراض بجودة الحياة إلى حدّ كبير. على سبيل المثال، هناك أطفال يحكّون أجسادهم طوال الليل بسبب الأكزيما أو مرضى مصابون بالسليلة الأنفية الذين لا يستطيعون الشمّ ويعانون باستمرار من سيلان الأنف”.
الالتهاب هو إحدى الطرق التي يحمي بها الجهاز المناعي الجسم من عوامل مختلفة. ويمكن أن يتمثّل ذلك في مناطق وأمراض الجسم المختلفة. في كثير من الأحيان يمكن أن يظهر الالتهاب في الجلد ويسبّب الاحمرار والحرارة، ولهذا يسمّى التهابًا. وتوضّح الدكتورة كيدون: “التهاب من نوع 2 هو التهاب تسبّبه أمراض مثل الحساسية، الرّبو، نزلة البرد، السليلة الأنفية والأكزيما والمزيد”. “هذا الالتهاب ناتج عن بعض القرارات الخاطئة للجهاز المناعي”. وتضيف: “في الواقع، يقوم جزء من الجهاز المناعي بتشخيص عوامل معينة، عن طريق الخطأ، كأعداء للجسم فيحاربها. “ينتج الجهاز المناعي سلسلة من القرارات التي تجرّ بعضها البعض، وبالتالي تسبب التهابًا مثل التهاب مجرى التنفس، التهاب الجلد، التهاب الأنف. هذا الالتهاب يلحق الضّرر بالأنسجة”.
في الوضع الطبيعي، عندما يدخل عنصر غريب إلى الجسم مثل البكتيريا، يستجيب الجهاز المناعي له ويبدأ في محاربته. ولكن، عند الإصابة بالتهاب من النوع 2، ليست هناك حاجة حتى لأيّ مادة لدخول الجسم. يحارب الجهاز المناعي المحفّزات البسيطة مثل الهواء البارد -أو حتى الرياضة -دون دخول أي شيء غريب إلى الجسم. هناك العديد من الحالات التي تحدث فيها الاستجابة الالتهابية بسبب التشخيص غير الصحيح للمواد التي نستهلكها يوميًا: المواد التي لا يمكن أن تضرّ الجسم، بل إنها ضرورية لذلك، مثل الطعام. يتم تحديد الأطعمة مثل الحليب والسمسم من قبل الجهاز المناعي كعدوّ، ويحاول الجسم تدميره من خلال استجابة التهابية.
“نظرية النظافة الشخصية”
جهاز المناعة معقّد جدًا، وليس هناك عامل واحد مسبّب للالتهاب. ومع ذلك، من المهم أن نعرف أن هذا الجهاز، الذي يفترض أنه يهاجم دون سبب، لم يخلق عبثًا. حتى قبل بضعة قرون، كانت ردود الفعل هذه ذات أهمية كبيرة في حماية الجسم.
“لم يعش الناس دائمًا كما يعيشون اليوم في بيئة نظيفة ومعقّمة. لذلك، ومن أجل حماية أنفسنا، في إطار عملية تطوّر جهاز المناعة -تمّ إنتاج الأجسام المضادة من النوع E والخلايا الحمضية لمحاربة الطفيليات بشكل فعّال مثل الليشمانيا، الملاريا والديدان” تقول الدكتورة كيدون. ولكن على مرّ السنين، تغيّر الواقع واليوم نحافظ على بيئة نظيفة ومعقّمة. “في الوقت الحالي، نحن نحرص على فصل مياه الشرب عن مياه الصرف الصحي، وهناك تطعيمات، وهناك نظام صحّي، وبالتالي فإن وجود الديدان والطفيليات نادر جدًا”، تضيف الدكتورة: “لقد أصبح جهاز المناعة يشعر بالملل ويخوض حروبًا ضد عوامل لا تهاجمه إطلاقًا”.
تشهد العقود الأخيرة ازديادًا في عدد المصابين بأمراض ناجمة عن الالتهاب من نوع 2. إحدى النظريات الشائعة التي تحاول تفسير هذه المعطيات تسمى “نظرية النظافة الشخصية”. وفقًا لهذه النظرية، فإن السبب في ارتفاع عدد الإصابات يعود إلى كون العالم العصري نظيفًا للغاية. ولأن الجسم لا يتعرّض للطفيليات والبكتيريا كالسابق، فهو لا يتعلم كيفية التعرّف على أعداء الجسم الحقيقيين.
“في الثمانينيات من القرن الماضي، كانت هناك زيادة في انتشار الرّبو في كل من العالم الغربي والعالم النامي، وكان هناك ادّعاء بأن هذا مردّه إلى أن عالمنا أصبح أنظف وأكثر تعقيمًا، حتى الدراسات في ألمانيا والنمسا التي أظهرت أن الأطفال الذين يعيشون في المدينة يعانون أكثر من الرّبو مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في القرية “. ومع ذلك، وجد أحد الباحثين الذين عاشوا في إحدى ضواحي جوهانسبرج -وهي منطقة غير معقّمة ونظيفة على الإطلاق -أن هناك أيضًا زيادة في انتشار حالات الرّبو. ولهذا اعتقد الباحث أن نظرية النظافة هي مؤامرة نمساوية-مجرية. “يعتقد اليوم أن الزيادة في انتشار الأمراض الناجمة عن التهاب من النوع 2 تعود إلى المسّ بنظام ضبط جهاز المناعة الذي كان من المفترض أن يقرّر من يهاجم ومن لا يهاجمه، جهاز المناعة لدينا معقّد ومركّب للغاية، والقدرة على عزل متغيّر واحد فقط يسبّب المشكلة تكاد تكون مستحيلة. يبدو أنه مزيج من أسباب وراثية وبيئية”.
مسيرة الحساسية
العديد من الأشخاص الذين يعانون من التهاب من النوع 2 لا يدركون حتى وجوده. إنهم على دراية بمرضهم (مثل الاكزيما) ولا يدركون أن المرض ناجم عن التهاب من النوع 2 وليس لديهم أي فكرة عن السبب الجذري للمشكلة. عوضًا عن محاربة الالتهاب، فإنهم يحاربون الرّبو، أو حساسية الطعام أو سيلان الانف المزمن على الرغم من أنه يشبه “البلاستر” الذي لن يمنع الالتهاب من الانتشار بطرق أخرى. في كثير من الحالات، سيجد المرضى الذين يعانون من النوع 2 أن لديهم مرضًا معينًا-ربو الجلد على سبيل المثال -وبعد علاجه، سيظهر فجأة مرض آخر، مثل سيلان الأنف المزمن، والذي يفترض أنه لا علاقة له بالمرض السابق. هذه الظاهرة، التي تحدث فيها أمراض مختلفة وتتفاقم بسبب أصل مشترك، تسمّى “مسيرة الحساسية”.
“عادة ما يحدث الالتهاب من النوع 2 في مرحلة الطفولة ويظهر على الجلد”، على سبيل المثال-تظهر 80% من حالات الأكزيما قبل سن الرابعة -وهي بداية التهاب النوع 2. في المراحل اللاحقة من الطفولة، تنضم القصبات الهوائية أيضًا تعبيرًا عن هذا النوع من الالتهابات مثل الربو التنفسي والسليلة الأنفية”.
فيما يتعلق بالأكزيما، يتعافى جزء كبير من الأطفال منها في فترة المراهقة، ولكنهم معرّضون للإصابة بأمراض أخرى متعلقة بالالتهاب نوع 2 خلال حياتهم. ميل جهاز المناعة للاستجابة لأمور لا تهدّده لن يختفي أبدًا. وفي الرّبو والأمراض الأخرى لالتهاب نوع 2 هناك صعود وهبوط، وهناك فترات تكون فيها أعراض المرض أخفّ من غيرها أو العكس.
كيف نعالج الأمراض الناجمة عن التهاب نوع 2؟
لطالما عرفنا أن أفضل طريقة لعلاج الالتهاب بشكل عام والأمراض التي يسببها النوع 2 هي المنشّطات (الستيرويدات) “توقف المنشّطات عملية جلب الخلايا الحمضية (Eosinophil)، وتحسّن استقرار خلايا أخرى، وتقلّل من فرصها في التسبب في الالتهاب، وتقلّل من إفراز المواد الالتهابية وبالتالي فهي فعّالة “. تبدو المنشطات وكأنها خدعة سحرية، لكنها بعيدة كل البعد عن ذلك. للمنشّطات العديد من الآثار الجانبية، وبالتالي يفضل الأطباء اليوم استخدامها في العلاج الموضعي، كعلاج أساسي حيث ينتشر الالتهاب: بمساعدة أجهزة الاستنشاق في حالات الربو، أو مراهم منشّطة موضعية (تدهن على الجلد) في حالة الإكزيما. من المهم أن نتذكّر أن هذا العلاج الموضعي ليس كافيًا دائمًا.
بالإضافة للمنشّطات، توجد أدوية تستخدم منذ عشرات السنوات لمحاربة الالتهابات، مثل مضادات الهيستامين، التي تبطئ نشاط تركيبة الهيستامين المرتبطة بردّة الفعل التحسّسية ذاتها. كما هو الحال في المنشّطات، كذلك هذه الأدوية ما هي إلا “بلاستر” للأمراض الناجمة عن التهاب نوع 2، ولا تعتبر علاجًا لأصل المشكلة.
هناك طريقتان جديدتان تحاولان علاج الالتهاب من أساسه. الأول هو العلاج المناعي: “العملية الأمثل لعلاج التهاب من النوع 2 ستكون إذا تمكّنا من تعليم جهاز المناعة ما يجب مهاجمته وما لا يجب مهاجمته”، تقول الدكتورة كيدون، في بعض الحالات -عندما يكون المحفّز خارجيًا-يمكن القيام بذلك. منذ عام 1911، كانت هناك مجموعة علاجية تسمّى “العلاج المناعي” تهدف إلى مكافحة الحساسية الناجمة عن عثّ غبار البيوت وأزهار الزيتون وأزهار العشب وما إلى ذلك. “هذه العملية تعلّم جهاز المناعة بطريقة تدريجية للغاية من خلال تعريضه بشكل مستمر وتدريجي ألّا يتفاعل مع هذه المحفزات على شكل حساسية. على مدى السنوات العشر الماضية، قمنا بتطوير المزيد والمزيد من الطرق لتعليم جهاز المناعة التوقّف عن تطوير محفّزات الطعام أيضًا”.
الطريقة الثانية هي الأدوية البيولوجية- وهي أدوية مركّزة تثبط العملية التحسّسية منذ البداية. تشرح الدكتورة كيدون: “في السنوات الأخيرة، ومع فهم العمليات التي تنطوي على تطوّر الحساسية، تمكّنا من تطوير عقاقير لمعالجة كل مرحلة من المراحل المختلفة لها”. “التحدّي الحقيقي الآن هو محاولة تحديد الجزء الأكثر أهمية في وقف الالتهاب لدى كل مريض. ونفهم أين سيكون إيقاف العملية أكثر فاعلية مع أفضل النتائج وأقل أعراض جانبية”.