الأخبار الرئيســـيةقبسات إخباريةمحطات فكرية

مسدّس عبد القادر وبراميل بشار

الشيخ كمال خطيب
وأنا أتابع مسير الحراك الشعبي في الجزائر الشقيق وخروج جموع الشعب الجزائري إلى الساحات والميادين، رفضًا لمحاولات الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة البقاء في الحكم عبر ترشحه لولاية حكم خامسة رغم مخالفة هذا للدستور ورغم تردي حالته الصحية واستحالة قدرته على القيام بواجبه. هذا الحراك اضطر الرئيس العجوز القيام بمحاولة الالتفاف عبر الوعد بعدم الترشح من جديد، لكنه أعلن تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة يوم 18/نيسان/2019 مما يعني استمراره في موقع الرئاسة، الأمر الذي رفضته جموع الشعب الجزائري التي نزلت إلى الشوارع والميادين مطالبة بإسقاط نظام بوتفليقة وإجراء انتخابات رئاسية في موعدها.
هذا الحراك الثوري الجزائري يجمع المراقبون أنه جزءا وامتدادا لحراك وثورات الربيع العربي التي انطلقت مطلع العام 2011 في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وها هي موجاتها الثانية تبدأ في السودان والجزائر، وملامح قوية لعودتها إلى مصر.
ولا يمكن الحديث عن حراك ومد ثوري في الجزائر دون التذكر والحديث عن الثورة الجزائرية الكبرى التي أطاحت بالاستعمار الفرنسي وإعلان استقلال الجزائر، الثورة التي امتدت بين الأعوام 1954-1962 والتي بها طويت صفحة احتلال واستعمار فرنسي غاشم للجزائر امتد مائة وثلاثين سنة من 1830-1962، ولا يمكن الحديث عن الحراك الثوري الجزائري دون تذكر والوقوف عند اسم شيخ الثوار المجاهدين المجاهد البطل عبد القادر الجزائري الذي قاد الجهاد الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي حتى وقوعه في الأسر والنفي ثم وفاته عام 1883.
ولأن ما يحدث في الجزائر وهو من ثمار غرس المجاهد عبد القادر الجزائري ومن تبعوه ممن قادوا ثورة التحرير هو قريب من ذكرى يوم 8/4/1948 اليوم الذي فيه استشهد القائد وشيخ المجاهدين الفلسطيني عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، في مواجهة العصابات الصهيونية المدعومة من جيش الاستعمار والاحتلال الانجليزي في فلسطين. وعليه فإنها محاولة ربط ومقاربة بين أسماء الشموخ والعزة والبطولة يمثلها عبد القادر الجزائري وعبد القادر الحسيني، مقابل عبد العزيز بوتفليقة بل مقابل أسماء لم تعرف إلا بالدموية على شعوبها والذل لأعدائها كحال السيسي وبشار الأسد وآل سعود وآخرين.

# مصحف الحَسَني ومصحف الحُسيني
لئن جمع الاسم بين البطلين فكلاهما اختار له والده اسم عبد القادر، ذاك في الجزائر وهذا في فلسطين. وكل منهما كان ابنًا ولد في بيت علم وجهاد. فعبد القادر الجزائري كان أبوه محيي الدين شيخ الطريقة الصوفية القادرية، أما عبد القادر الحسيني فأبوه موسى كاظم الحسيني والذي أشغل مناصب عديدة في خدمة الدولة العثمانية، كانت آخرها رئاسة بلدية القدس الشريف حتى احتلال الانجليز لفلسطين ودخولهم القدس عام 1919م، وهو من اشتهر بقيادته وتأليبه الفلسطينيين للتظاهر ضد وعد بلفور.
وعبد القادر الجزائري قاد الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وعبد القادر الحسيني قاد الجهاد الفلسطيني ضد الاستعمار الانجليزي والعصابات الصهيونية في فلسطين.
عبد القادر الجزائري وقع في أسر الفرنسيين ونقلوه إلى السجن في باريس، وعند إطلاق سراحه خيّروه بالذهاب إلى أي بلد باستثناء الجزائر، فاختار الذهاب إلى دمشق.
وعبد القادر الحسيني اعتقله عملاء الاستعمار البريطاني في العراق، وعند إطلاق سراحه خيّر إلى أين يذهب باستثناء فلسطين، فاختار بلاد الحجاز.
وعبد القادر الجزائري كان لا يفارقه مصحفه الشريف حيثما كان، وهو الذي حفظ القرآن صغيرًا. وعبد القادر الحسيني والذي عندما توفي والده موسى كاظم الحسيني فإنه أعطى لابنه عبد القادر نسخة من المصحف الشريف وأوصاه قائلًا: “أمانة أمانة، هو وديعة عندك يا ولدي، وأن تحرر فلسطين العزيزة هو أمانة، أسلمك إياها في رقبتك، فلسطين في رقبتك يا ولدي”.
وعبد القادر الجزائري يعود نسبه إلى الحسن بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد القادر الحسيني الفلسطيني يعود نسبه إلى الحسين بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا من نسل الحسن وذاك من نسل الحسين، أنعم وأكرم بحفيدي رسول الله سيديّ شباب أهل الجنة.

# مسدس الجزائري ومسدس الفلسطيني
بعد خمسة عشر عامًا من الجهاد وقع عبد القادر الجزائري في الأسر، وسجن في فرنسا وبعدها انتقل إلى اسطنبول ليصل منها إلى دمشق التي سكنها وأصبح له فيها أولاد وأحفاد إلى أن توفي ودفن فيها في العام1883م. وفي العام 1966م قام الرئيس الجزائري هواري بومدين بنقل رفاته من دمشق إلى الجزائر ليدفن في وطنه تقديرًا وعرفانًا لجهاده. لكن قصة مسدسه لا تنسى وهي التي يحكيها المرحوم الشيخ علي الطنطاوي نقلًا عن الشيخ عز الدين حفيد الشيخ عبد القادر. يقول الشيخ الطنطاوي من كتاب ذكريات في صفحة 64: “فلقد افتتحت هذا الحديث بذكر الأمير عز الدين الجزائري، فدعوني أختمه بذكر جده الأمير عبد القادر الجزائري، هذا المجاهد البطل الذي بسط يديه على الجزائر خمس عشرة سنة يحكمها وحده. بيد تحمل المصحف وتؤسس على التقوى الحكومة الحرة العادلة، ويد تحمل المسدس وتدفع عن البلاد القوى المعتدية الظالمة. فلما نخر سوس الخيانة في أساس هذا الصرح واضطر للهدنة، أرادوه أن يسلّم مصحفه ومسدسه، وكان أبدًا يصحب مصحفه لا يفارق جيبه أو خيمته، وكان أبدًا يحمل مسدسه لا ينزله عن عاتقه، فأبى أن يسلم سلاحه، وقال: لن أدع المعلمين في فرنسا يقولون لتلاميذهم وهم يزورون المتحف في باريس انظروا هذا مسدس عبد القادر”.
وأما عبد القادر الحسيني وخلال مقارعته للإنجليز والعصابات الصهيونية وقد أدرك هول الخطر على فلسطين، فإنه ذهب إلى دمشق للاجتماع مع أعضاء اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، وطلب منهم أن يمدوه بالسلاح، فلما رفضوا بدعوى أن تصرفاته فردية وليست تحت سقف الجامعة العربية فقد خرج غاضبًا وهو يقول لهم جملته المشهورة: “نحن أحق بالسلاح المُخزّن من المزابل، إن التاريخ سيتهمكم بضياع فلسطين، سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطأكم”. وفعلًا رجع المرحوم عبد القادر وشارك وقاد معركة القسطل على بوابة القدس الغربية واستشهد هناك يوم 8/4/1948، وقد وجدت إلى جانب جثته بندقيته ومسدسه الذي ما كان يفارقه.
نعم إنه عبد القادر الجزائري الذي جمع بين المصحف والمسدس، وإنه عبد القادر الفلسطيني الذي جمع بين المصحف الذي سلّمه إياه أبوه قبل موته وبين المسدس الذي وجد إلى جانبه عند استشهاده مقبلًا غير مدبر رحمه الله تعالى.

# عبد القادر وعبد العزيز
إن ما يحدث في الجزائر الآن من تشبث الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالحكم وعدم استجابته لمطالب الشعب الجزائري، رغم أنه المقعد لا يستطيع الحركة ورغم أنه العجوز الهرم، مما يعني أن هناك أيدٍ خفية متنفذة تريد الابقاء عليه كواجهة للحكم بينما هي من يدير شؤون البلاد، وهؤلاء إنما هم جنرالات الجيش ومعهم شقيقه سعيد.
طالما سمعنا عن الملوك والزعماء يورثون الحكم لأبنائهم كحال آل سعود، وحافظ الأسد وغيرهم الكثيرين من حكام الدول العربية، إلا أننا في الحالة الجزائرية نرى من يتحكم بالرئيس ولعله يخطط لاستلام الحكم هو أخوه سعيد، لأنه ليس لعبد العزيز بوتفليقة أبناء رغم أن له زيجات كثيرة، ورغم أن له قصصًا يعرفها جيدًا الجزائريون مع عشيقات في الجزائر وفرنسا، بل إنها أخبار يعرفها الجزائريون عن سلوكيات مشينة ومشبوهة.
صحيح أن عبد العزيز بوتفليقة كان من قادة جبهة التحرير الوطنية التي قادت ثورة التحرير والاستقلال من الاحتلال الفرنسي، إلا أن هذا ليس معناه أن يستغل هؤلاء مواقفهم التاريخية ليتحولوا إلى دكتاتوريين طواغيت يظلمون الشعب ويسلبونه حريته وكرامته. ولا يختلف حال بوتفليقة ومشاركته في ثورة تحرير الجزائر عن حال أبي مازن وبعض قياداته، الذين يستغلون أنهم من الجيل الذي بدأ بانطلاقة فتح عام 1965م بينما البعض منهم اليوم يستغل هذا الاسم لمصالح شخصية وعائلية، بل وينفذ أجندات للاحتلال الإسرائيلي.
وهل يختلف سلوك بوتفليقة وأخلاقياته التي يراد للشعب الجزائري أن لا يقف عندها، عن سلوك المشير عبد الحكيم عامر رئيس أركان الجيش المصري تحت قيادة جمال عبد الناصر الذي بقي يسكر ويراقص النساء ليلة 5/حزيران، بينما الاسرائيليون يستعدون لأكبر نكسة وخيبة في تاريخ العرب المعاصر.
ليس هذا وحسب بل إن عبد العزيز بوتفليقة كان وجنرالات الجيش الجزائري ممن عملوا على الانقلاب على نتائج الانتخابات الجزائرية في العام 1992م والتي أسفرت عن فوز الإسلاميين بنسبة ساحقة. وبغض النظر عن الموقف من جبهة الإنقاذ الإسلامية وطروحاتها إلا أن خيار الشعب ما كان يجب الانقلاب عليه، لتسجل الجزائر بذلك أول من انقلب على خيار الشعب بسبب تصويته للإسلاميين عام 1992م، ثم جاءت سلطة أبو مازن والتي انقلبت على نتائج انتخابات 2006م والتي فاز بها الإسلاميون في الضفة والقطاع لولا انتباه قادة حماس لهذه الخطوة الماكرة ثم سرعة تحركهم للإمساك بزمام الأمور في غزة في العام 2007م. وكان ثالثة الأثافي في مصر حين انقلب السيسي على خيار الشعب المصري في انتخابات 2012م واختيارهم للرئيس محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، ثم كان الانقلاب الدموي الذي قاده السيسي في العام 2013م.

# مسدس عبد القادر وبرميل بشار
إنها دمشق التي احتضنت عبد القادر الجزائري حيًا بعد أن اختارها منفى له واحتضنته ميتًا، حيث مات ودفن فيها. وخلال حياته كان يحتفظ في دمشق بمسدسه الذي كان يحمله خلال مواجهته للاستعمار الفرنسي لبلده يحكي لأحفاده وللأجيال قصة ذلك المسدس.
وإنها دمشق التي يحكمها اليوم بالحديد والنار طاغية سفاح هو بشار الأسد، حيث لم يشتهر عنه حمل السلاح واستعماله لا في وجه أمريكا ولا في وجه اسرائيل التي تحتل جزءًا مهمًا من وطنه وهو هضبة الجولان منذ عام 1967م .
إنه بشار الذي لم تنطلق من سوريا التي اغتصبها وخلال خمسين سنة باتجاه من يحتلون أرضه ولو رصاصة واحدة، وطبعا لم تنطلق قذيفة مدفع دبابة. بل إن الاسرائيليين كانوا دائمًا يفاخرون بأن حدودهم مع سوريا هي الأكثر أمنًا وهدوءًا.
لكنه بشار الذي اشتهر أنه ليس له مثيل في خبرة استعمال البراميل المتفجرة التي تلقيها طائراته على القرى والمدن والأحياء السورية حيث تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمر المدارس والمساجد والمرافق لأبناء الشعب السوري.
إنه الفارق إذن بين عبد القادر الجزائري حامل مسدس الشرف والعزة في مواجهة الأعداء، وبين بشار بطل البراميل المتفجرة التي يلقيها على أبناء شعبه.
إنه بشار الذي يكره الشهامة والبطولة ومواقف العز ويكره من يقفها، ولذلك كان حقده على قبر وضريح خالد بن الوليد في حمص وقد قصفه بالطائرات وألقى عليه البراميل المتفجرة، ويقينا أنه كان سيفعل ذلك لقبر صلاح الدين في دمشق، وقد بدأت القذائف تتساقط قريبًا من قصره، وكاد أن يسقط حكمه ونظامه لولا تدخل روسيا وإيران لحمايته.
إنه الفارق بين سيوف العز وسيوف الخشب، بين مسدس الشرف وبين براميل العار، بين عبد القادر وبين بشار وأبو منشار. ألا لا نامت أعين الجبناء.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى